و قد ادّعى جماعة من الأصوليين الملازمة بين حسن الفعل عقلا و الأمر به شرعا (2)، و بين قبح الفعل عقلا و النهي عنه شرعا.
و فصّل بعض المدققين منهم (3) بين نوعين من الحسن و القبح، أحدهما الحسن و القبح الواقعان في مرحلة متأخرة عن الحكم الشرعي و المرتبطان بعالم امتثاله و عصيانه من قبيل حسن
(1) و إلّا فهو ليس حكما عقليا و إنما هو استكشاف عقلي.
(2) و استدلوا على ذلك بأنّ العقل إذا عرف حكما ما كحسن العدل و قبح الظلم فإنّ اللّه- بما أنّه عاقل بل رئيس العقلاء- سيأمر بالعدل و ينهى عن الظلم لا محالة، لأن أحكام اللّه تعالى كلها حكيمة و ناشئة من الموازين العقلية.
(3) قال بعض الأصوليين هناك أمور كالصلاة يحكم العقل بحسنها لأمر اللّه بها، و أمور يحكم العقل بقبحها لنهي الشارع عنها كالخمر. هذه الأحكام العقلية لا تستتبع أوامر و نواهي إلهية مرّة ثانية و إلّا لزم التسلسل.
بيان ذلك: حين يأمر اللّه تعالى بالصلاة يحكم العقل بحسن الصلاة (لأنّ اللّه لا يحكم إلّا بالحسن) فلو ترتب على هذا الحكم العقلي حكم الشرع بوجوب الصلاة (على فرض أن حكم الشرع يترتب دائما على حكم العقل) لحكم العقل بحسن هذا الوجوب لأنّ اللّه تعالى لا يحكم إلّا بالحسن، فلو فرضنا ترتب حكم الشرع على حكم العقل ثانية لترتب حكم العقل و هكذا إلى ما لا نهاية. و لذلك هذه الأحكام العقلية النابعة من الأحكام الشرعية لا يترتب عليها أحكام شرعية ثانية و إلّا لزم التسلسل.
و هناك نوع آخر من الأحكام العقلية غير مترتبة على الأحكام الشرعية كحسن الصدق و العدل و قبح الظلم و الخيانة، هذه الأحكام العقلية- الغير نابعة من الأحكام الشرعية- يترتب عليها أحكام شرعية.