لا شك في أن المكلف مسئول عقلا عن توفير المقدمات العقلية و الشرعية (1) للواجب، إذ لا يمكنه الامتثال بدون ذلك، و لكن وقع البحث في أن هذه المقدمات هل تتصف بالوجوب الشرعي تبعا لوجوب ذيها، بمعنى أنه هل يترشح عليها في نفس المولى إرادة من إرادته للواجب الأصيل و وجوب من إيجابه لذلك الواجب؟
فهناك من ذهب إلى أن إرادة شيء و إيجابه يستلزمان إرادة مقدماته و إيجابها (2)، و تسمى الإرادة المترشحة بالإرادة الغيرية و الوجوب المترشح بالوجوب الغيري، في مقابل الإرادة النفسية و الوجوب النفسي، و هناك من أنكر ذلك.
و قد يقال بالتفصيل بين الإرادة و الإيجاب، فبالنسبة إلى الإرادة و ما تعبر عنه من حب يقال بالملازمة و الترشح، فحب الشيء يكون علة لحب مقدمته، و بالنسبة إلى الإيجاب و الجعل
ملاحظة: يصحّ أن تعبّر عن الوضوء بأنه مقدّمة عقلية باعتبار أنه مقدّمة عقلية للكون على الطهارة، و أن تعبّر عنه بأنه مقدّمة شرعية لأنّ الشرع شرّعه مقدّمة للصلاة. و لا مشاحة في الاصطلاحات و لا أثر لهذا البحث.
(2) لعدم إمكان الإتيان بالحج إلّا بالإتيان بمقدّماته، فيحكم العقل بوجوبها، و بما أنّ اللّه تعالى عاقل بل رئيس العقلاء فإنه أيضا يحكم بوجوبها، و إن اعتبار المسير إلى الحج واجبا ليس فيه أي تكلف ليكون لغوا و إنما هو ارتكازي في علم الباري تعالى.