و قد يقال: بأنّ تعدّد العنوان لا يكفي، لأن العناوين إنما تتعلّق بها الأحكام باعتبارها مرآة للخارج لا بما هي مفاهيم مستقلّة في الذهن، فلكي يرتفع التنافي بين الأمر و النهي لا بدّ أن يتعدّد الخارج (1)، و لا يمكن أن نبرهن على تعدّده عن طريق تعدد العنوان، لأن العناوين المتعددة قد تنتزع عن شيء واحد في الخارج.
و ثمرة هذا البحث واضحة، فإنه على القول بامتناع اجتماع الأمر و النهي يقع التعارض حتما بين دليل الأمر و دليل النهي، لأن
(1) كالصلاة و النظر إلى الأجنبية بشهوة إذا كانا في وقت واحد، في هذه الحالة يتعلق الأمر بالصلاة و النهي بالنظر لتعدّدهما خارجا، و لا يمكن أن يتعلّق الأمر بالصلاة و النهي عن الغصب لأنهما خارجا فعل واحد.
(فإن قلت) إنّ تعدّد العنوان كاشف عن تعدّد المعنون (أي تعدّد الفعل الخارجي)، فمن جهة هي صلاة تماما، و من جهة أخرى هي غصب فتصحّ لأنها مصداق للصلاة المأمور بها.
(أجابك صاحب هذا القول الثاني) هذا غير صحيح، لأنّ المولى إذا قال «ائتني بكتاب» معناه كتابا خارجيا- لا ذهنيا- فالحكم ينصب على العنوان بما هو آلة و مرآة عن الخارج، و كذا إذا قال «صلّ» و «لا تغصب» فهو إنما يريد الصلاة الخارجية و الغصب الخارجي، فإذا تصادقا على فعل خارجي فلا يمكن الأمر به لأنه صلاة و النهي عنه لأنه غصب، فإنه تناقض واضح، و هو بمثابة قولك «أحبّ زيدا لأنه ذو خلق جميل و أبغضه لأنه فاسق» أو «أكرمه لأنّ اخلاقه جيدة و اهنه لأنه لا يصلي»! و لو أمرت عبدك يوما بذبح طائر لتأكلوه فذهب و سرق طائرا و ذبحه و أطعمكم إياه، فهل ترضى بذلك؟! أو أنه بدل أن يذبح دجاجة عادية ذهب و ذبح بعض طيورك الباهظة الثمن التي تستمتع بمنظرها و تغريدها، فهل ترضى بذلك، و ما ذا يكون موقفك منه؟!