ترك المكلف كلا الضدين فيكون كل من المجعولين ثابتا لتحقق قيده، و لكن التنافي واقع بين امتثاليهما إذ لا يمكن للمكلف أن يمتثلهما معا، و يتلخص من ذلك أن التنافي و عدم إمكان الاجتماع تارة بين نفس الجعلين، و أخرى بين المجعولين، و ثالثة بين الامتثالين.
و إذا اتضحت هاتان المقدمتان فنقول: إذا ورد دليلان على حكمين و حصل التنافي فإن كان التنافي بين الجعلين لهذين الحكمين فهو تناف بين مدلولي الدليلين لما عرفت في المقدمة الأولى من أن مدلول الدليل هو الجعل و يتحقق التعارض بين الدليلين حينئذ لأن كلا منهما ينفي مدلول الدليل الآخر، و إن لم يكن هناك تناف بين الجعلين، بل كان بين المجعولين أو بين الامتثالين، فلا يرتبط هذا التنافي بمدلول الدليل لما عرفت من أن فعلية المجعول- فضلا عن مقام امتثاله- ليست مدلولة للدليل، فلا يحصل التعارض بين الدليلين لعدم التنافي بين مدلوليهما، و تسمى حالات التنافي بين المجعولين مع عدم التنافي بين الجعلين بالورود و يعبر عن الدليل الذي يكون المجعول فيه نافيا لموضوع المجعول في الدليل الآخر بالدليل الوارد و يعبر عن الدليل الآخر بالمورود (1).
(1) ذكر ; مثال ذلك قبل قليل و هو مثال: «إذا وجدت الماء فتوضّأ» و «إذا فقدت الماء فتيمّم» فإنه ليس بين الجعلين أي تنافي، و لكن لا يمكن أن يكونا-