تقدم، و مثال الثاني جعل وجوب الوضوء على الواجد للماء و جعل وجوب التيمم على الفاقد له، فإن الجعلين هنا لا تنافي بينهما إذ يمكن صدورهما معا من الشارع، و لكنّ المجعولين لا يمكن فعليتهما معا لأن المكلف إن كان واجدا للماء ثبت المجعول الأول عليه و إلّا ثبت المجعول الثاني و لا يمكن ثبوت المجعولين معا على مكلف واحد في حالة واحدة.
و قد لا يوجد تناف بين الجعلين و لا بين المجعولين، و لكن التنافي في مرحلة امتثال الحكمين المجعولين بمعنى أنه لا يمكن امتثالهما معا، و ذلك كما في حالات الأمرين بالضدين (1) على وجه الترتب بنحو يكون الأمر بكل من الضدين مثلا مقيدا بترك الضد الآخر، فإن بالإمكان صدور جعلين لهذين الأمرين معا، كما أن بالإمكان أن يصبح مجعولا هما فعليين معا و ذلك فيما إذا
(1) كالصلاة و إنقاذ الغريق، فإنهما ضدّان لعدم إمكان الجمع بينهما في وقت واحد. توضيح ذلك: قد يأمرنا اللّه تعالى بأمرين: الأوّل: «إذا زالت الشمس و كنت بالغا عاقلا فصلّ» و الثاني «أنقذ الغريق» فهنا لا يوجد تناف بين التشريعين حتى و إن صارا فعليّين بأن زالت الشمس على إنسان و كان بالغا عاقلا و غرق غريق في سعة الوقت، فإنه ينقذ الغريق ثم يصلّي، إذن لا تنافي بين المجعولين. لكن قد يغرق الغريق في ضيق الوقت و المكلف لم يكن قد صلّى بعد، فإن اشتغل بالصلاة مات الغريق، و إن أنقذه فاتته الصلاة في وقتها، فهنا يقع التنافي في مرحلة الامتثال، هنا يحكم العقل بلزوم تقديم الأهم.