و ثالثا: إن الأخبار الدالّة على وجوب التعلم- و أن المكلف يوم القيامة يقال له: لما ذا لم تعمل؟ فإذا قال: لم أعلم يقال له:
لما ذا لم تتعلّم؟- تعتبر مقيدة لاطلاق دليل البراءة و مثبتة أن الشك بدون فحص و تعلم ليس عذرا شرعا.
التمييز بين الشك في التكليف و الشك في المكلّف به:
النقطة الثانية: في أن الضابط لجريان أصل البراءة هو الشك في التكليف لا الشك في المكلف به.
و توضيح ذلك: أن المكلف تارة يشك في ثبوت الحكم الشرعي، كما إذا شك في حرمة شرب التتن أو في وجوب صلاة الخسوف، و أخرى يعلم بالحكم الشرعي و يشك في امتثاله، كما إذا علم بأن صلاة الظهر واجبة و شك في أنه هل أتى بها أو لا؟
فالشك الأول هو مجرى البراءة العقلية و البراءة الشرعية عند المشهور، و هو مجرى البراءة الشرعية عندنا.
و الشك الثاني لا تجري فيه البراءة العقلية و لا الشرعية لأن التكليف فيه معلوم، و إنما الشك في امتثاله و الخروج عن عهدته فيجري هنا أصل يسمى بأصالة الاشتغال (1)، و مفاده كون التكليف في العهدة حتى يحصل الجزم بامتثاله، و على الفقيه أن يميز بدقة
(1) و هي فرع من الاستصحاب، فالاستصحاب يقتضي عدم الاتيان بالمكلّف به.