الثانية (1) إذا تمّت دلالتها على البراءة فهي تدل في نفس الوقت على أن البراءة مغياة ببعث الرسول، و بعد حمل الرسول على المثال [للبيان] يثبت أن الغاية هي توفير البيان على نحو يتاح للمكلف الوصول اليه كما هو شأن الناس مع الرسول، و عليه فيثبت بمفهوم الغاية أنه متى توفر البيان على هذا النحو فاستحقاق العذاب ثابت، و من الواضح أن الشاك قبل الفحص يحتمل تحقق الغاية و توفر البيان فلا بد من الفحص، و كذلك أيضا الآية الرابعة (2) فإن البيان لهم جعل غاية للبراءة و هو يصدق مع توفير بيان في معرض الوصول.
و ثانيا (3): إن للمكلف علما اجماليا بوجود تكاليف في الشبهات الحكمية كما تقدم، و هذا العلم إنما ينحل بالفحص لكي يحرز عدد من التكاليف بصورة تفصيلية، (*) و ما لم ينحل لا تجري
(1) و هي قوله تعالى: وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.
(2) و هي قوله تعالى: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ.
(3) بيانه: كيف تجرون البراءة قبل الفحص و قبل انحلال العلم الإجمالي بوجود تكاليف إلزامية في البين؟!
(*) (أقول) يصح هذا الدليل في الشبهات الموضوعية دون الحكمية، فإنّ البراءة الشرعية تجري في الشبهات الموضوعية بعد الانحلال و لا تجري البراءة في الشبهات الحكمية رغم الانحلال، و لذلك يجب الفحص فيها رغم الانحلال.