و كلّ من الاحتمالين ينفع لإثبات السعة، لأن التكليف المشكوك منفي إما واقعا و إما ظاهرا، و لكن الاحتمال الأول ساقط، لأنه يؤدي إلى تقيّد الأحكام الواقعية الإلزامية بالعلم بها (1)، و قد سبق أن أخذ العلم بالحكم قيدا لنفس الحكم مستحيل.
فإن قيل: أ و لستم قلتم بإمكان أخذ العلم بالجعل في موضوع المجعول.
قلنا: نعم، و لكن ظاهر الحديث أن المرفوع و المعلوم شيء واحد، بمعنى أن الرفع و العلم يتبادلان على مركز واحد، فإذا افترضنا أن العلم بالجعل مأخوذ في موضوع المجعول، فهذا معناه أن العلم لوحظ متعلّقا بالجعل، و أن الرفع إنما هو رفع للمجعول بتقييده بالعلم بالجعل، و هذا خلاف ظاهر الحديث، فلا بد إذن من افتراض أن الرفع يتعلق بالمجعول، و كذلك العلم فكأنه قال الحكم المجعول [أي الفعلي] مرفوع حتى يعلم به.
و على هذا الأساس يتعين حمل الرفع على أنه ظاهري لا واقعي،
(1) اي سيصير معنى قوله تعالى «أَقِيمُوا الصَّلاةَ»*: إذا علمتم بوجوب الصلاة فصلّوا، و هو قول يؤدي الى الدور، و على الاقلّ أنّ المكلف لا يؤمن بهذا القيد لانه طالما هو قاطع بوجوب الصلاة عليه كيف يؤمن بانه بعد قطعه هذا سيصير وجوب الصلاة ثابتا- واقعا- في ذمته.