طور من أطواره، و الثاني هي نسبة المغاير إلى المغاير، فيلزم من استعمال الموصول في الجامع إرادة كلتا النسبتين من هيئة ربط الفعل بمفعوله، و هو من استعمال اللفظ في معنيين، مع أن اللفظ لا يستعمل إلّا في معنى واحد (1).
و منها: قوله تعالى وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا(2).
(1) و بتعبير آخر: اعترض الشيخ الأنصاري على إرادة الجامع من الآية بقوله ;: لو كان المراد الجامع من لفظة «ما» في قوله تعالى: إِلَّا ما آتاها لكان المعنى جامعا للمعاني السالفة الذكر في الشرح و هي: لا يكلف اللّه نفسها إلا مالا اتاها، لا يكلف اللّه نفسا إلا فعلا آتاها، لا يكلف اللّه نفسا إلا تكليفا أتاها.
و هي معان متغايرة، و نسب متغايرة، فالنسبة بين «يكلّف» و بين «فعلا» نسبة الفعل إلى المفعول به، و النسبة بين «يكلّف» و بين «تكليفا» نسبة الفعل إلى المصدر، و لا يمكن أن يتلفّظ العاقل بلفظ واحد و يريد به معنيين متغايرين، لأنّ استعمال لفظ في معنى معناه إفناء اللفظ في المعنى المراد، و اللفظ إذا فنى في معنى كيف يتصوّر أن يفنى مرّة ثانية في معنى آخر. و لذلك إذا قلت يوما للناس «رأيت عينا» فإنهم يفهمون منك إرادة معنى واحد من معاني العين لا أكثر، و هذا أمر عرفي وجداني.
(و قد) أجاب سيدنا الشهيد ; في الحلقة الثالثة بأنّ «تكليفا» في الآية هي مفعول به لا مفعول مطلق، فلا تغاير بين النسب، و تكون كلمات «مالا» و «فعلا» و «تكليفا» مصاديق ل «شيئا» و يكون المعنى- و اللّه العالم- لا يكلّف اللّه نفسا شيئا إلّا بمقدار ما اتاها أي أوصل إليها و أعطاها من مال و علم و قدرة و هي عين البراءة الشرعية.