إن قيل: إن القوم قسموا الحكمة أولا إلى النظرية و العملية، ثم قسموا العملية إلى ثلاثة أقسام: واحد منها علم الأخلاق المشتمل على الفضائل الأربع التي إحداها الحكمة، فيلزم أن تكون الحكمة قسما من نفسها.
قلنا: الحكمة التي هي المقسم هو العلم بأعيان الموجودات، سواء كانت الموجودات إلهية أي واقعة بقدرة البارى سبحانه، أو موجودات إنسانية أي واقعة بقدرتنا و اختيارنا، و لما كان هذا العلم أعني الحكمة التي هي المقسم قسما من الموجودات بالمعنى الثاني، فلا بأس بالبحث عنه في علم الأخلاق، فإن غاية ما يلزم أن تكون الحكمة موضوعا لمسألة هي جزؤها بأن يجعل عنوانا فيها و يحمل عليها كونها ملكة محمودة، أو طريق اكتسابها كذا.
و بالجملة لا مانع من أن يجعل علم يبحث فيه عن أحوال الموجودات موضوعا لمسألة، و يبحث عنه فيه بإثبات صفة له لأجل أنه أيضا الموجودات كما أنه في العلم الأعلى الذي يبحث فيه عن الموجودات من حيث وجودها يبحث عن نفس العلم لكونه من الموجودات، و يجعل موضوعا لمسألة من مسائله، و لا يلزم من هذا كون الشيء جزءا لنفسه. و أيضا نقول كما أن الحكمة العملية قسم من مطلق الحكمة لتعلق العمل بالنظر، فكذا المطلق قسم منها لتعلق النظر بالعمل، و حينئذ كما أن العدالة من الحكمة باعتبار فكذا الحكمة من العدالة باعتبار آخر، فتختلف الحيثية و لا يلزم محذور.
و قيل: في الجواب إن المراد من الحكمة التي هي إحدى الفضائل الأربع