اللذان آلت إليهما البلاد الإسلامية في ذلك القرن، من نحو التفكك و اختلال الأمن في جميع أطراف البلاد، و الحروب الطاحنة بين الأمراء و الدول، لا سيما بين الحكومتين الإيرانية و العثمانية، و بين الإيرانية و الأفغانية، تلك الحروب التي اصطبغت على الأكثر بصبغة مذهبية. و هذا كله مما يسبب البلبلة في الأفكار و الاتجاهات، و ضعف الروح العامة المعنوية.
فأوجب ذلك من جهة ضعف ارتباط رجال الدين بالحياة الواقعية، و السلطان الزمنية. و يدعو ذلك عادة إلى الزهد المغالي في جميع شئون الحياة، و اليأس من الإصلاح. فتنشأ هنا نزعة التصوف، و تتخذ يومئذ صرحا علميا على انقاض الفلسفة الإشراقية الإسلامية المطاردة المكبوتة، التي سبق أن دعا لها أنصار أقوياء، كالمولى صدر الدين الشيرازي المتوفى عام 1050، و أضرابه و أتباعه، مع المغالاة في أفكارها. و ساند طريقة التصوف مبدئيا أن السلطة الزمنية في إيران-و هي (سلطة الصفويين) - قامت على أساس الدعوة إلى التصوف. و ظلت تؤيدها و تمدها سرا.
و من جهة أخرى يحدث رد فعل لهذا الغلو، فينكر على الناس أن يركنوا إلى العقل و تفكيره، و يلتجأ إلى تفسير التعبد بما جاء به الشارع المقدس بمعنى الاقتصار على الأخبار الواردة في الكتب الموثوق بها في كل شيء و الجمود على ظواهرها. ثم يدعو الغلو بهؤلاء إلى ادعاء أن كل تلك الأخبار مقطوعة الصدور على ما فيها من اختلاف. ثم يشتد بهم الغلو.
فيقولون بعدم جواز الأخذ بظواهر القرآن وحده، من دون الرجوع إلى الأخبار الواردة. ثم ضربوا بعد ذلك علم الأصول عرض الجدار، بادعاء أن مبانية كلها عقلية لا تستند إلى الأخبار، و العقل أبدا لا يجوز الركون اليه في كل شيء، ثم ينكرون الاجتهاد و جواز التقليد. و هكذا تنشأ فكرة الأخبارية الحديثة التي أول من دعا إليها أو غالى في الدعوة إليها المولى