و كان أبدا مسرورا بذاته، مغتبطا بحاله، مبتهجا بما يرد عليه من فيوضات النور الأول، و لا يسرّ إلا بتلك اللذات، و لا يغتبط إلا بها، و لا يهش إلا بإظهار الحكمة الحقة بين أهلها، و لا يرتاح إلا بمن ناسبه و أحب الاقتباس منه، و لا يبالي بمفارقة الدنيا و ما فيها، و يرى جسمه و ماله و جميع خيرات الدنيا وبالا و كلا عليه إلا ما هو ضروري يحتاج إليه بدنه الذي الذي يفتقر إليه في تحصيل كماله، و يحن أبدا إلى مصاحبة الذوات النورية، و لا يفعل إلا ما أراد اللّه تعالى منه، و لا يتعرض إلا لما يقربه إليه، و لا يخالفه في متابعة الشهوات الردية، و لا ينخدع بخدائع الطبيعة، و لا يلتفت إلى شيء يعوقه عن سعادته، و لا يحزن على فقد محبوب، و لا فوت مطلوب و إذا صفى من الأمور الطبيعية بالكلية زالت عنه العوارض النفسانية، و الخواطر الشيطانية بأسرها، و فنى عنه إرادته المتعلقة بالأمور. و حينئذ يمتلي من المعارف الإلهية، و الشوق الإلهي و البهجة الإلهية، و الشعار الإلهي، و تتقرر الحقائق في عقله كتقرر القضايا الأولية فيه، بل يكون علمه بها أشد إشراقا و ظهورا من علمه بها. و إذا بلغ هذه الغاية فقد استعد للوصول إلى المرتبة القصوى، و مجاورة الملأ الأعلى، فيصل إلى ما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و يفوز بما أشير إليه في الكتاب الإلهي بقوله: