في المدارج المتخالفة، و المراتب المتفاوتة، و لا تقلّب في أطوار النقص و الكمال، و لا تحول في جميع التقاليب و الأحوال، بخلاف الإنسان فإنه محيط بجميع المراتب المختلفة، و سائر في الأطوار المتباينة من الجمادية و النباتية و الحيوانية و الملكية، و له الترقي عن جميع تلك المراتب بأن تتحقق له مرتبة مشاهدة الوحدة الصرفة فيتجاوز عن أفق الملائكة، فهو النسخة الجامعة لحقائق الملك و الملكوت، و المعجون المركب من عالمي الأمر و الخلق قال أمير المؤمنين 7: «إن اللّه خص الملك بالعقل دون الشهوة و الغضب، و خص الحيوانات بهما دونه و شرّف الإنسان بإعطاء الجميع فإن انقادت شهوته و غضبه لعقله صار أفضل من الملائكة لوصوله إلى هذه المرتبة مع وجود المنازع و الملائكة ليس لهم مزاحم» .
وصل
قد ظهر بما ذكر أن الإنسان ذو جنبة روحانية يناسب بها الأرواح الطيبة و الملائكة القادسة، و ذو جنبة جسمانية يشابه بها السباع و الأنعام، فبالجزء الجسماني أقيم في هذه العالم الحسي مدة قصيرة، و بالجزء الروحاني ينتقل إلى العالم العلوي، و يقيم فيه أبدا في مصاحبة الأرواح القدسية، بشرط أن يتحرك بقواه نحو كمالاتها الخاصة، حتى يغلب الجزء الروحاني على الجسماني، و ينفض عن نفسه كدورات الطبيعة، و تظهر فيه آثار الروحانيات من العلم بحقائق الأشياء و الأنس باللّه تعالى و الحب له و التحلى بفضائل الصفات. و حينئذ يقوم بغلبة روحانيته بين الملأ الأعلى يستمد منهم لطائف الحكمة، و يستنير بالنور الإلهي و يزيد ذلك بحسب رفع العلائق الجسمية، حتى إذا ارتفعت عنه حجب الغواسق الطبيعية بأسرها، و أزيلت عنه استار العوائق الهيولانية برمتها، خلى عن جميع الآلام و الحسرات،