فكل من استحسن ما يسوقه إليه الهوى و الشبهة-مع ظن كونه حقا- يكون له هذا العجب، و قد أخبر رسول اللََّه-صلى اللََّه عليه و آله و سلم-: «أن ذلك يغلب على آخر هذه الأمة» . و علاجه أشد من علاج غيره، لأن صاحب الرأي الخطأ جاهل بخطإه، و لو عرفه لتركه. و لا يعالج الداء الذي لا يعرف إذ العارف يقدر على أن يبين للجاهل جهله و يزيله عنه إذا لم يكن معجبا برأيه و جهله، و إذا كان معجبا به يتهمه و لا يصغى إليه حتى يعالجه، فقد سلطت عليه بلية تهلكه و هو يظن أنها نعمة. و كيف يطلب الهرب مما يعتقد أنه سبب سعادته!و إنما علاجه في الجملة أن يكون متهما لرأيه لا يغتر به، إلا أن يشهد له قاطع عقلي أو نقلي لا يعتريه ريب و شبهة.
و معرفة أدلة الشرع و العقل و شروطها و مكان الغلط فيها موقوفة على عقل ثابت، و قريحة تامة مستقيمة، مع جد و تشمير في الطلب، و ممارسة الكتاب و السنة، و مجالسة أهل العلم و مدارسة العلوم طول العمر، و مع ذلك لا يؤمن عليه الغلط. فالصواب للكل-إلا من أيده اللََّه بقوة قدسية يتمكن بها من الخوض في غمرات العلوم-ألا يخوض في المذاهب الباطلة و لا يصغي إليها، و يتبع أهل الوحي فيما جاءوا به من عند اللََّه في الأصول و الفروع.