ضد العجب انكسار النفس و استحقارها و كونها في نظره ذليلة مهينة.
و كما أن العجب مجرد استعظام النفس من دون اعتبار استصغار الغير معه، فكذا ضده مجرد استحقار النفس من دون اشتراط إعظام الغير معه، إذ الأول مع اعتبار الثاني تكبر، و الثالث مع اشتراط الرابع تواضع، و هما ضدان.
ثم لا ريب في فوائد انكسار النفس و استصغارها، و كل من بلغ مرتبة عظيمة فإنما بلغ بهذه الصفة، لأن اللََّه تعالى عند المنكسرة قلوبهم، و قال رسول اللََّه-صلى اللََّه عليه و آله و سلم-: «ما من أحد إلا و معه ملكان و عليه حكمة [1] يمسكانها، فإن هو رفع نفسه جبذاها [2] ثم قالا: اللهم ضعه، و إن وضع نفسه قالا: اللهم ارفعه» [3] . و روي: «أنه أوحى اللََّه تعالى إلى موسى (ع) : أن يا موسى!أ تدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟قال: يا رب!و لم ذلك؟فأوحى اللََّه تبارك و تعالى إليه: أني قلبت عبادي ظهرا لبطن، فلم أجد فيهم أحدا أذل نفسا لي منك، يا موسى!إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب» .و روى: «أنه لما أوحى اللََّه تعالى إلى الجبال. أني واضع سفينة نوح عندي على جبل منكن، فتطاولت و شمخت، و تواضع الجودي، و هو جبل عندكم، فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل، فقال نوح عند ذلك: (يا ماري اتقن) و هو بالسريانية: رب أصلح» [4]
[1] الحكمة بالتحريك: ما أحاط بحنكى الفرس من لجامه.