و أما (العجب بالجاه، و المنصب، و ولاية السلاطين، و كثرة الأتباع و الأنصار:
من الأولاد و الأقارب و القبائل و العشائر و الخدم و الغلمان) :
فعلاجه أن يعلم أن كل ذلك في معرض الانقطاع، و عن قريب يقع بينه و بينها المفارقة إما بفنائه و موته أو بفنائها و هلاكها، بل العاقل يجدها كسراب بقيعة، و إنما هي خيالات تظن شيئا و ليست بشيء، و ستفترق عنه إذا مات و دفن في قبره ذليلا مهينا وحده، لا يرافقه أهل و أولاد و لا أعوان و أتباع، فيسلمونه إلى البلاء و إلى العقارب و الحيات و الديدان، و لا يغنون عنه شيئا، و هو في أحوج أوقاته إليهم، و كيف يعجب العاقل بمن يفارقه في أشد أحواله! على أنهم في الدنيا يتبعونه ما دام يحصل منه ما يشتهونه من البذل و الإعطاء فلا بد له من إيقاع نفسه في المهالك و تعرضه لسخط اللََّه و عقوبته، لتحصيل الأموال من الوجوه المحرمة و صرفها إليهم، ليستمروا على متابعته و إعانته، و لو نقص شيء مما يتمنونه تعرضوا لمقته و عداوته، فضلا عن بقائهم على حمايته و إطاعته. ثم المعجب بتمكين السلطان و ولايته بناء أمره على قلب هو أشد غليانا من القدر، إذ لو تغير عليه كان أذل الخلق.
و أما (العجب بالعقل و الكياسة و التفطن لدقائق الأمور) :
فعلاجه أن يعلم أن ذلك يزول عنه بأدنى مرض يصيب دماغه، و ربما زال عقله دفعة.
مع أنه إن كان في الواقع فطنا كيسا في الأمور يلزم عليه أن يشكر اللََّه تعالى على ذلك، و يستصغر [1] عقله و فطانته، ليبقي اللََّه تعالى عليه تلك النعمة و لا يسلبها عنه لأجل عجبه.
و أما (العجب بالرأي الخطإ الذي يزين له بجهله) :
فهو أقبح أنواع العجب، إذ جميع أهل البدع و الضلال و الفرق الذين اختاروا مذاهب باطلة