بشجاعته، و عجب الجميل بجماله، و عجب الغني بماله، لأن كل ذلك من فضل اللََّه، و إنما هو محل لفيضان فضل اللََّه و جوده. و المحل أيضا من فضله و جوده، فإنه هو الذي خلقك، و خلق أعضاءك، و خلق فيها القوة و القدرة و الصحة، و خلق لك العقل و العلم و الإرادة، و لو أردت أن تنفي شيئا من ذلك لم تقدر عليه. ثم خلق الحركات في أعضائك مستبدا باختراعها من غير مشاركة لك معه في الاختراع، إلا أنه خلقها على ترتيب، فلم يخلق الحركة ما لم يخلق في العضو قوة و في القلب إرادة، و لم يخلق العلم ما لم يخلق القلب الذي هو محله، فتدريجه في الخلق شيئا بعد شيء هو الذي خيل إليك أنك مستقل بإيجاد عملك، و قد غلطت، فإن تحريك البواعث، و صرف العوائق، و تهيئة الأسباب كلها من اللََّه، ليس شيء منها إليك.
و من العجائب أن تعجب بنفسك، و لا تعجب بمن إليه الأمر كله، و لا تعجب بجوده و كرمه، و فضله في إيثاره إياك على الفساق من عباده، إذ مكنهم من أسباب الشهوات و اللذات، و زواها عنك، و صرف عنهم بواعث الخير و هياها لك، حتى يتيسر لك الخير من غير وسيلة سابقة منك.
روي: «أن أيوب (ع) قال: (إلهي إنك ابتليتني بهذا البلاء، و ما ورد علي أمر إلا آثرت هواك على هواي) . فنودي من غمامة بعشرة آلاف صوت: يا أيوب!أنى لك ذلك؟قال: فأخذ رمادا فوضعه على رأسه، و قال منك يا رب!فرجع عن نسيانه، و أضاف ذلك إلى اللََّه تعالى، و لذلك قال اللََّه تعالى: