واحدا من مشاهير الشجعان إذا قابل خصمه اصفر لونه و ارتعدت فرائصه و اضطرب قلبه، فقيل له، ما هذه الحالة و أنت أشجع الناس و أقواهم؟فقال إني لم أمتحن خصمي، فلعله أشجع مني. و أيضا النصر و الغلبة و حسن العاقبة مع الذلة و المسكنة، لا مع الإعجاب بالقوة و الشجاعة، فإن اللََّه عند المنكسرة قلوبهم.
و من المعالجات النافعة للعجب بكل واحد من الصفات الكمالية: أن يقابل سببه بضده، إذ علاج كل علة بمقابلة سببها بضده، و لما كانت علة العجب هو الجهل المحض، فعلاجه المعرفة المضادة له، فنقول:
الكمال الذي به يعجب إما أن يكون يعجب به من حيث إنه فيه و هو محله و مجراه، أو من حيث إنه نشأ منه و حصل بسببه و قوته و قدرته، فإن كان (الأول) ، فهو محض الجهل، لأن المحل مسخر، و إنما يجري ما يجري فيه و عليه من جهة غيره، و لا مدخل له في الإيجاد و التحصيل، فكيف يعجب بما ليس له. و إن كان (الثاني) ، فينبغي أن يتأمل في قدرته و إرادته و أعضائه، و سائر الأسباب التي بها يتم كماله و عمله، أنها من أين كانت له: فإن كان علم أن جميع ذلك نعمة من اللََّه إليه من غير حق سبق له، فينبغي أن يكون إعجابه بجود اللََّه تعالى و كرمه و فضله، إذ أفاض عليه ما لا يستحقه، و آثره به على غيره من غير سابقه و وسيلة، فإن ظن أنه تعالى وفقه لهذا العمل لاتصافه ببعض الصفات الباطنة المحمودة، كحبه له تعالى أو مثله، فيقال له الحب و العمل كلاهما نعمتان من عنده، ابتدأك بهما من غير استحقاق من جهتك، إذ لا وسيلة لك و لا علاقة، فليكن الإعجاب بجوده، إذ أنعم بوجودك و بوجود صفاتك و أعمالك و أسباب أعمالك.
فإذا لا معنى لعجب العالم بعلمه، و عجب العابد بعبادته، و عجب الشجاع