اعلم أن الإنسان منقسم إلى سر و علن، و روح و بدن و لكل منهما منافيات و ملائمات، و آلام و لذات، و مهلكات و منجبات.
و منافيات البدن و آلامه هي الأمراض الجسمانيه. و ملائماته هي الصحة و اللذات الجسمانية. و المتكفل لبيان تفاصيل هذه الأمراض و معالجاتها هو علم الطب. و منافيات الروح و آلامه هي رذائل الأخلاق التي تهلكه و تشقيه، و صحته رجوعه إلى فضائلها التي تسعده و تنجيه و توصله إلى مجاورة أهل اللّه و مقربيه. و المتكفل لبيان هذه الرذائل و معالجاتها هو (علم الأخلاق) .
ثم إن البدن مادي فإن، و الروح مجرد باق، فإن اتصف بشرائف الصفات كان في البهجة و السعادة أبدا، و إن اتصف برذائلها كان في العذاب و الشقاوة مخلدا، و لا بد لنا من الإشارة إلى تجرده و بقائه بعد خراب البدن ترغيبا للطالبين على السعي في تزكيته و حفظه عن الشقاوة الأبدية.
فصل (في تجرد النفس و بقائها)
لا ريب في تجرد النفس و بقائها بعد مفارقتها عن البدن. أما الأول (و المراد به عدم كونها جسما و جسمانية) فيدل عليه وجوه:
(منها) أن كل جسم لا يقبل صورا و أشكالا كثيرة لزوال كل صورة أو شكل فيه بطريان مثله، و النفس تقبل الصور المتعددة المختلفة من المحسوسات و المعقولات من دون أن تزول الأولى بورود الأخرى، بل كلما قبلت صورة