و الذين يتبجحون بتشفي الغيظ و طاعة الغضب، و يسمون ذلك شجاعة و رجولية، فيقولون:
نحن لا نصبر على كذا و كذا، و لا نحتمل من أحد أمرا. و يختار مجالسة أهل الحلم، و الكاظمين الغيظ، و العافين عن الناس.
(السابع) أن يعلم أن ما يقع إنما هو بقضاء اللّه و قدره،
و أن الأشياء كلها مسخرة في قبضة قدرته، و أن كل ما في الوجود من اللّه، و أن الأمر كله للّه، و أن اللََّه لا يقدر له ما فيه الخيرة، و ربما كان صلاحه في جوعه، أو مرضه، أو فقره، أو جرحه أو قتله، أو غير ذلك. فإذا علم بذلك غلب عليه التوحيد، و لا يغضب على أحد، و لا يغتاظ عما يرد عليه، إذ يرى-حينئذ- أن كل شيء في قبضة قدرته أسير، كالقلم في يد الكاتب. فكما أن من وقع عليه ملك بضرب عنقه لا يغضب على القلم، فكذلك من عرف اللََّه و علم أن هذا النظام الجملى صادر منه على وفق الحكمة و المصلحة، و لو تغيرت ذرة منه عما هي عليه خرجت عن الأصلحية، لا يغضب على أحد، إلا أن غلبة التوحيد على هذا الوجه كالكبريت الأحمر و توفيق الوصول إليه من اللََّه الأكبر. و لو حصل لبعض المتجردين عن جلباب البدن يكون كالبرق الخاطف، و يرجع القلب إلى الالتفات إلى الوسائط رجوعا طبيعيا، و لو تصور دوام ذلك لأحد لتصور لفرق الأنبياء، مع أن التفاتهم في الجملة إلى الوسائط مما لا يمكن إنكاره.
(الثامن) أن يتذكر أن الغضب مرض قلب و نقصان عقل،
صادر عن ضعف النفس و نقصانها، لا عن شجاعتها و قوتها، و لذا يكون المجنون أسرع غضبا من العاقل، و المريض أسرع غضبا من الصحيح. و الشيخ الهرم أسرع