و لا ريب في أن الخوف المجاوز إلى اليأس و القنوط يمنع من العمل، لرفعهما نشاط الخاطر الباعث على الفعل، و إيجابهما كسالة الأعضاء المانعة من العمل. و مثل هذا الخوف محض الفساد و النقصان و عين القصور و الخسران و لا رجحان له في نظر العقل و الشرع مطلقا، إذ كل خوف بالحقيقة نقص لكونه منشأ العجز، لأنه متعرض لمحذور لا يمكنه دفعه، و باعث الجهل لعدم اطلاعه على عاقبة أمره، إذ لو علم ذلك لم يكن خائفا، لما مر من أن الخوف هو ما كان مشكوكا فيه، فبعض أفراد الخوف إنما يصير كمالا بالإضافة إلى نقص أعظم منه، و باعتبار رفعه المعاصي و إفضائه إلى ما يترتب عليه من الورع و التقوى و المجاهدة و الذكر و العبادة و سائر الأسباب الموصلة إلى قرب اللّه و أنسه، و لو لم يؤد إليها كان في نفسه نقصا لا كمالا، إذ الكمال في نفسه هو ما يجوز أن يوصف اللّه تعالى به، كالعلم و القدرة و أمثالهما، و ما لا يجوز وصفه به ليس كمالا في ذاته، و ربما صار محمودا بالإضافة إلى غيره و بالنظر إلى بعض فوائده، فما لا يفضى إلى فوائده المقصودة منه لإفراطه فهو مذموم، و ربما أوجب الموت أو المرض أو فساد العقل، و هو كالضرب الذي يقتل الصبي أو يهلك الدابة أو يمرضها أو يكسر عضوا من أعضائها. و إنما مدح صاحب الشرع الرجاء و كلف الناس به ليعالج به صدمة الخوف المفرط المفضي إلى اليأس أو إلى أحد الأمور المذكورة. فالخوف المحمود ما يفضى إلى العمل مع بقاء الحياة و صحة البدن و سلامة العقل، فإن تجاوز إلى إزالة شي منها فهو مرض يجب علاجه، و كان بعض مشائخ العرفاء يقول للمرتاضين من