خوف كل منهم في كتب المحدثين مذكورة و في زبرهم مسطورة، فليرجع إليها من أراد، و من اللّه العصمة و السداد.
فصل الخوف إذا جاوز حده كان مذموما
اعلم أن الخوف ممدوح إلى حد، فإن جاوزه كان مذموما. و بيان ذلك:
أن الخوف سوط اللّه الذي سوق به العباد إلى المواظبة على العلم و العمل، لينالوا بهما رتبة القرب إليه تعالى و لذة المحبة و الأنس به، و كما أن السوط الذي تساق به البهيمة و يأدب به الصبي، له حد في الاعتدال. لو قصر عنه لم يكن نافعا في السوق و التأديب، و لو تجاوز عنه في المقدار أو الكيفية أو المبالغة في الضرب كان مذموما لأدائه إلى إهلاك الدابة و الصبي، فكذلك الخوف الذي هو سوط اللّه لسوق عباده له حد في الاعتدال و الوسط، و هو ما يوصل إلى المطلوب، فإن كان قاصرا عنه كان قليل الجدوى، و كان كقضيب ضعيف يضرب به دابة قوية، فلا يسوقها إلى المقصد. و مثل هذا الخوف يجرى مجرى رقة النساء عند سماع شيء محزن يورث فيهن البكاء، و بمجرد انقطاعه يرجعن إلى حالهن الأولى، أو مجرى خوف بعض الناس عند مشاهدة سبب هائل، و إذا غاب ذلك السبب عن الحس رجع القلب إلى الغفلة.
فهذا خوف قاصر قليل الجدوى. فالخوف الذي لا يؤثر في الجوارح بكفها عن المعاصي و تقييدها بالطاعات حديث نفس و حركة خاطر لا يستحق أن يسمى خوفا. و لو كان مفرطا ربما جاوز إلى القنوط و هو ضلال: