لا ينفع الذكر ما لم يطهر القلب عن الأخلاق الذميمة التي هي مواد مرض الوسواس، فالذكر إنما ينفع للقلب إذا كان متطهرا عن شوائب الهوى و منورا بأنوار الورع و التقوى، كما قال سبحانه.
و لو كان مجرد الذكر مطردا للشيطان لكان كل أحد حاضر القلب في الصلاة، و لم يخطر بباله فيها الوساوس الباطلة و الهواجس الفاسدة، إذ منتهى كل ذكر و عبادة إنما هو في الصلاة مع أن من راقب قلبه يجد أن خطور الخواطر في صلاته أكثر من سائر الأوقات، و ربما لا يتذكر ما نسيه من فضول الدنيا إلا في صلاته، بل يزدحم عندها جنود الشياطين على قلبه و يصير مضمارا لجولانهم، و يقلبونه شمالا و يمينا بحيث لا يجد فيه إيمانا و لا يقينا و يجاذبونه إلى الأسواق و حساب المعاملين و جواب المعاندين، و يمرون به في أودية الدنيا و مهالكها، و مع ذلك كله لا تظنن أن الذكر لا ينفع في القلوب الغافلة أصلا، فإن الأمر ليس كذلك، إذ للذكر عند أهله أربع مراتب كلها تنفع الذاكرين، إلا أن لبه و روحه و الغرض الأصلي من ذلك المرتبة الأخيرة:
(الأولى) اللسانى فقط.
(الثانية) اللساني و القلبي، مع عدم تمكنه من القلب، بحيث احتياج