كالعلم باللّه و ملائكته و رسله، و اليوم الآخر، و البعث، و قيام الساعة، و مثول الخلائق بين يدي اللّه تعالى، و حضور الملائكة و النبيين و الشهداء و الصالحين، في مقابلة تحصيل العلوم و الإدراكات التي هي من باب الحيل و الخديعة و السفسطة، و التأمل في أمور الدنيا الغير الخارجة عن دار المحسوسات، فإن الأول يشبه الملائكة الروحانية و جنود الرحمن الذين هم سكان عالم الملكوت السماوي، و الثاني يشبه الأبالسة المطرودة عن باب اللّه، الممنوعة من ولوج السماوات، المحبوسة في الظلمات، المحرومة في الدنيا عن الارتقاء، و المحجوبة في الآخرة عن دار النعيم.
فصل (علاج الوساوس)
الوساوس إن كانت بواعث الشرور و المعاصي، فالعلاج في دفعها أن يتذكر سوء عاقبة العصيان و وخامة خاتمته في الدنيا و الآخرة، و يتذكر عظيم حق اللّه و جسيم ثوابه و عقابه، و يتذكر أن الصبر عما تدعو إليه هذه الوساوس أسهل من الصبر على نار لو قذف شرارة منها إلى الأرض أحرقت نبتها و جمادها فإذا تذكر هذه الأمور و عرف حقيقتها بنور المعرفة و الإيمان، حبس عنه الشيطان و قطع عنه وسواسه، إذ لا يمكن أن ينكر عليه هذه الأمور الحقة، إذ يقينه الحاصل من قواطع البرهان يمنعه عن ذلك و يخيبه، بحيث يرجع هاربا خائبا. فإن التهاب نيران [1] البراهين بمنزلة رجوم الشياطين، فإذا قوبلت بها وساوسهم فرت فرار الحمر من الأسد.
و إن كانت مختلجة بالبال بلا إرادة و اختيار، من دون أن تكون مبادئ الأفعال، فقطعها بالكلية في غاية الصعوبة و الإشكال، و قد اعترف أطباء
[1] و في نسختنا الخطية هكذا: «فإن نيرات البراهين» .