يغلب أحد الجندين و يسخر مملكة النفس و يستوطن فيها، و حينئذ يكون اجتياز الثاني على سبيل الاختلاس، و حصول الغلبة إنما هو بغلبة الهوى أو التقوى فإن غلب عليها الهوى و خاضت فيه صارت مرعى الشيطان و مرتعه و كانت من حزبه، و إن غلب عليها الورع و التقوى صارت مستقر الملك و مهبطه و دخلت في جنده، قال رسول اللّه 6-: «خلق اللّه الإنس ثلاثة أصناف: صنف كالبهائم، قال اللّه تعالى:
و صنف أجسادهم أجساد بني آدم و أرواحهم أرواح الشياطين، و صنف كالملائكة في ظل اللّه يوم لا ظل إلا ظله» .
و لا ريب في أن أكثر القلوب قد فتحها جنود الشياطين و ملكوها، و يتصرفون فيها بضروب الوساوس الداعية إلى إيثار العاجلة و إطراح الآجلة. و السر فيه:
أن سلطنة الشيطان سارية في لحم الإنسان و دمه و محيطة بمجامع قلبه و بدنه، كما أن الشهوات ممتزجة بجميع ذلك، و من هنا قال رسول اللّه 6-: «إن الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم» ، و قال اللّه سبحانه-حكاية عن لسان اللعين-: