إلى المحرك الأول الذي لا محرك له و لا هو متحرك في نفسه. و كذا الحال في توسط غيره من الأفلاك و نجومها، و كائنات الجو، و الموجودات على الأرض من الجماد و النبات و الحيوان.
فالتفات العبد في نجاته إلى بعض الأشياء من الرياح و الأمطار أو الإنسان أو الحيوان يضاهى التفاوت من أخذ لتجز رقبته، فأمر الملك كاتبه بأن يكتب توقيعا بالعفو عنه و تخليته، فأخذ العبد يشتغل بمدح الحبر أو الكاغد أو القلم أو الكاتب، و يقول: لو لا الخبر أو القلم أو الكاغذ أو الكاتب ما تخلصت، فيرى نجاته من الحبر و الكاغذ دون القلم أو من القلم دون محركه -أعني الكاتب-أو من الكاتب دون الملك الذي هو محرك الكاتب و مسخره.
و من علم أن القلم لا حكم له في نفسه و إنما هو مسخر في يد الكاتب، و أن الكاتب لا حكم له و إنما هو مسخر تحت يد الملك، لم يلتفت إلى القلم و الكاتب و لم يشكر إلا الملك، بل ربما يدهشه فرح النجاة و شكر الملك عن أن يخطر بباله الكاغد و الحبر و القلم و الكاتب. و لا ريب في أن جميع المخلوقات من الشمس و القمر و النجوم و الغيم و المطر و الأرض و كل حيوان أو جماد مسخرات في قبضة القدرة، كتسخير القلم في يد الكاتب و تسخير الكاتب في يد السلطان بل هذا تمثيل في حق العبد لاعتقاده أن الملك الموقع هو الكاتب حقيقة، و ليس الأمر كذلك، إذ الحق أن الكاتب هو اللّه سبحانه كما قال تعالى.
فمن انكشف له أن جميع ما في السماوات و الأرض مسخرات للواجب الحق، لم ير في الوجود مؤثرا إلا هو، و انصرف عنه الشيطان خائبا، و أيس عن مزج توحيده بهذا الشرك.