(و منها) أن يحترز عما يهيج الشهوة و الغضب رؤية و سماعا و تخيلا،
و من هيجهما كمن هيج كلبا عقورا أو فرسا شموسا، ثم يضطر إلى تدبير الخلاص عنه. و إذا تحركتا بالطبع فليقتصر في تسكينهما بما يسد الخلة و لا ينافي حفظ الصحة، و هو القدر الذي جوزه العقل و الشريعة.
(و منها) أن يستقصى في طلب خفايا عيوب نفسه،
و إذا عثر على شيء منها اجتهد في إزالته. و لما كانت النفس عاشقة لصفاتها و أفعالها، فكثيرا ما يخفى عليها بعض عيوبها، فيلزم على كل طالب للصحة و حافظها أن يختار بعض أصدقائه ليتفحص عن عيوبه و يخبره بما اطلع عليه، و إذا أخبره بشيء منها فليفرح و ليبادر إلى إزالته حتى يثق صديقه بقوله، و يعلم أن إهداء شيء من عيوبه إليه أحسن عنده من كل ما يحبه و يهواه، و ربما كان العدو في هذا الباب أنفع من الصديق، لأن الصديق ربما يستر العيب و لا يظهره، و العدو مصر على إظهاره، بل ربما يتجاوز إلى البهتان، فإذا أظهر الأعداء عيوبه فليشكر اللّه على ذلك و ليبادر إلى رفعها و قمعها.
و مما ينفع في المقام أن يجعل صور الناس مرايا لعيوبه و يتفقد عيوبهم، و إذا عثر على عيب منهم تأمل في قبحه، و يعلم أن هذا العيب إذا صدر عنه يكون قبيحا و يدرك غيره هذا القبح، فليجتهد في إزالته. و ينبغي أن يحاسب نفسه في آخر كل يوم و ليلة، و يتفحص عن جميع ما صدر من الأفعال فيهما فإن لم يصدر عنه شيء من القبائح و الذمائم فليحمد اللّه على حسن تأييده، و إن صدر عنه شيء من ذلك فليعاتب نفسه و يتوب، و يجتهد في ألا يصدر عنه بعد ذلك مثله.