لو استحكمت رابطة المحبة و علاقة المودة بين الناس لم يحتاجوا إلى سلسلة العدالة، فإن أهل الوداد و المحبة في مقام الإيثار و لو كان بهم خصاصة، فكيف يجور بعضهم على بعض. و السر أن رابطة المحبة أتم و أقوى من رابطة العدالة لأن المحبة وحدة طبيعية جبلية، و العدالة وحدة قهرية قسرية. على أنها لا تنتظم بدون المحبة، لكونها باعثة للإيجاد، كما أشير إليه في الحديث القدسي «كنت كنزا مخفيا فاحببت أن أعرف» . فالمحبة هو السلطان المطلق، و العدالة نائبها و خليفتها [1] .
وصل (التكميل الصناعي لاكتساب الفضائل على طبق ترتيب الكمال الطبيعي)
لاكتساب الفضائل ترتيب ينبغي أن لا يتعدى عنه. و بيان ذلك: أن مبادئ الحركات المؤدية إلى الكمالات: إما طبيعية كحركة النطفة في الأطوار المختلفة إلى بلوغ كمال الحيوانية، أو صناعية كحركة الخشب بتوسط الآلات إلى بلوغ كمال السريرية. ثم الطبيعة و تحريكاتها لاستنادها إلى المبادئ العالية تكون متقدمة على الصناعية المستندة إلى الإنسان، و لما كان كمال الثواني أن تتشبه بالأوائل، فينبغي أن تقتدي الصناعية في تحريكاتها المؤدية إلى كمالها بالطبيعية.
[1] و لذلك أن الشريعة الإسلامية أول ما دعت فيما دعت إلى الإخوة و التآلف بين الناس، و كثير من أحكامها مثل الجماعة و الجمعة و الإيثار و الإحسان و تحريم الغيبة و النبز و نحو ذلك تستهدف إيجاد رابطة الحب بين الشعوب و القبائل و الأفراد، ليستغنوا عن الأخذ بقانون العدل الصارم المر.