مثلاً: إذا كان الصبي من مواليد الأول من شهر ذي الحجة الحرام، فكان يستكمل الخامسة عشرة في هذا اليوم من عامه هذا، وكان مستطيعاً مالياً وبدنياً وسربياً، وعلم أنه لو لم يسلك الطريق إلى الميقات قبل حصول البلوغ فسوف لا يتيسر له أداء الحج في هذا العام، فهل يلزمه القيام بذلك أم يجوز له تركه وإن كان يؤدي إلى فوات الحج عليه في سنته هذه؟

ربما يقال: إنه يلزمه الإتيان بالمقدمات التي يتوقف عليها أداء الحج في هذا العام، وذلك بمناط وجوب المقدمات المفوتة الذي أثبته الأصوليون في بحث مقدمة الواجب، ومرّ الإيعاز إلى وجهه في شرح المسألة الثانية.

أي إن المقام نظير ما لو أجنب المكلف في ليلة الصيام من شهر رمضان فإنه يلزمه الاغتسال من الجنابة قبل طلوع الفجر لكون الطهارة منها شرطاً في صحة الصيام ــ كما هو المشهور ــ فيجب عليه تحصيلها قبل زمان توجه التكليف إليه بأداء الصوم وهو عند طلوع الفجر لئلا يفوته أداء الواجب في وقته.

وهكذا في محل البحث يجب على المراهق للبلوغ طي المسافة إلى الميقات قبل أن يتوجه إليه الخطاب الإلزامي بأداء حجة الإسلام، وهو عند إكمال الخامسة عشرة لئلا يفوته أداء الحج في زمانه.

ولكن هذا غير البيان تام ..

أما على مسلك من يرى شرعية وجوب المقدمة المفوتة فواضح، لأن غير البالغ مرفوع عنه جميع التكاليف الشرعية بمقتضى حديث رفع القلم، فما هو الوجه في ثبوت الوجوب المقدمي في حقه في المقام؟!

أقصى الأمر أنه لو ترك الإتيان بالمقدمة لا يتسنى له أداء الحج في حينه، ولذلك لا يتوجه إليه التكليف بأدائه، وهذا لا ضير فيه، إذ لا يحرز كون ملاك الحج في حق من لا يستطيع أداءه إلا بإتيان بعض مقدماته قبل البلوغ ملاكاً ملزماً بالغ الأهمية بحيث يكون على الشارع المقدس سد باب عدمه، بإيجاب الإتيان بمقدمته الوجودية في حال الصغر.

ولا فرق في هذا بين الالتزام بوجوب المقدمة المفوتة شرعاً عن طريق