فتحصل أن هذه الطوائف الثلاث مما لا دلالة فيها على عدم وجوب الحج أزيد من مرة واحدة في العمر.
ولكن فيما ذكر من غيرها غنى وكفاية، بل قد مر أن هذا الحكم من الواضحات التي لا حاجة إلى تجشم الاستدلال له، ولكن ينبغي البحث عن أمرين ..
الأمر الأول: في مدى صحة ما نسب إلى الصدوق (رضوان الله عليه) من وجوب الحج على المستطيع في كل عام.
وقد تقدم ما ذكره (قدس سره) تعقيباً على رواية محمد بن سنان من أن: (ما أفتي به هو أن الحج على أهل الجدة في كل عام فريضة) وقد استدل له بعدد من الروايات، وهي معتبرة أبي جرير القمي، ومرسلة أسد بن يحيى، ومرفوعة الميثمي، وسيأتي البحث عنها. ومقتضى ذلك التزامه بوجوب الحج على المستطيع في كل عام كما نسب إليه.
ولكن يظهر من السيد صاحب العروة (قدس سره) الارتياب في صحة ما نسب إلى الصدوق (رضوان الله عليه) حيث قال [1] : (وما نقل عن الصدوق في العلل من وجوبه على أهل الجدة كل عام على فرض ثبوته شاذ مخالف للإجماع والأخبار) وعلّق على ذلك السيد الحكيم [2] بقوله: (وسبق إلى ذلك ــ أي إلى الارتياب في صحة هذا النقل ــ العلامة في المنتهى).
أقول عبارة العلامة [3] (رضوان الله عليه) هكذا: (ولا نعلم فيه خلافاً يعتد، وقد حكي عن بعض الناس أنه يقول: يجب في كل سنة مرة، وهذه حكاية لا تثبت، وهي مخالفة للإجماع والسنة) ومن المستبعد أن يكون المقصود بـ(بعض الناس) في هذه العبارة هو الشيخ الصدوق، فإنه لم يعبر عنه بمثل ذلك في سائر المواضع، بل المتعارف تعبيره عنه بـ(ابن بابويه) ونحوه.