واحدة فقط في العمر، ولا بأس بالإشارة إلى بعض ما ذكر في هذا المجال ..

فقد قيل [1] : (إن الروايات التي تنص على حرمة التسويف والإهمال في الحج يظهر منها بوضوح أنه واجب في تمام العمر مرة واحدة).

ولكن يمكن الخدشة في دلالتها على ما ذكر، فإنها إنما تدل على أهمية أصل الحج وأدائه للمرة الأولى، ولا تدل على نفي وجوبه أزيد من ذلك.

وقيل أيضاً: (إن الروايات التي تنص على أن الحج يخرج من أصل التركة تدل بالالتزام على أن ذمة الميت مشغولة بحجة واحدة).

ولكنه ليس صحيحاً أيضاً، حيث إن الحج ليس من قبيل الديون بحد ذاته ــ وإن ورد هذا التعبير عنه بذلك في بعض الروايات وسيأتي الحديث عنها ــ بل هو واجب تكليفي، ومقتضى القاعدة أن يسقط مع موت الشخص، وإنما ثبت القضاء بدليل خاص، ومضمونه أنه من وجب عليه الحج ولم يحج فإنه يحج عنه مرة واحدة، وهذا لا علاقة له بأن الحي لا يجب عليه أن يحج عدة مرات.

وبتعبير آخر: لو كان وجوب قضاء الفائت من الحج على وفق القاعدة لكان هناك مجال للاستشهاد بما دلَّ على وجوب قضاء حج واحد فقط عن الميت لعدم وجوب الحج على الحي أزيد من مرة، ولكن أصل وجوب القضاء عن الميت على خلاف القاعدة، فإذا ورد الدليل على لزوم القضاء عنه لحجة واحدة لم يكن مقتضاه عدم وجوب الحج أزيد من مرة على الحي.

وقيل أيضاً إن: (الروايات التي تنص على أن من لم يحج قط ولم يطق لكبره أو مرضه المأيوس من الشفاء منه في المستقبل أن يجهز رجلاً يحج عنه ناصة في أن الواجب عليه حجة واحدة في طول عمره).

وهذا الاستشهاد غير تام أيضاً لأن مقتضى القاعدة في الشخص العاجز عدم وجوب الحج عليه أصلاً لعدم استطاعته، فإذا دلَّ النص على وجوب الاستنابة عليه لمرة واحدة يحكم بمقتضاه، ولا يستلزم ذلك أن الشخص المتمكن من المباشرة لا يجب عليه أن يحج إلاّ مرة واحدة أيضاً.

[1] تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى ج:8 ص:33.