و استدل علي عدم الوجوب ايضا مضافا الي هذه الاخبار بالاخبار الكثيرة، الحاصرة لما فيه الزكاة بالتسعة،
الحاكمة بأن رسول الله 6 وضع الزكاة عليها و عفا عما سواها، و بما مر من الغنية من الاجماع، و من
الانتصار من ظن انفراد الامامية .
و الشيخ علي ما هو من عادته جمع في التهذيبين بين الاخبار بحمل الاخبار الاولة علي الاستحباب . و تقدمه
علي ذلك استاذه المفيد في المقنعة . و تبعهما من تأخر عنهما من اصحابنا.
و لكن ناقش في ذلك في الوافي ، فقال : "في هذه الاخبار ما يشعر بأن الاخبار الاولة انما وردت للتقية، الا ان
صاحب التهذيبين و جماعة من الاصحاب حملواها علي الاستحباب" [1]
.
و تبعه علي ذلك صاحب الحدائق، فقال في ضمن كلام له : "الاستحباب حكم شرعي يتوقف علي الدليل
الواضح . و مجرد اختلاف الاخبار ليس بدليل يوجب ذلك، كما لا يخفي علي المنصف . و مع ذلك فانه لا
ينحصر الجمع بين الاخبار فيما ذكروه، بل لا يبعد حمل الروايات المتقدمة علي التقية، حيث ان الوجوب
مذهب ابي حنيفة و الشافعي و احمد علي ما نقله في المعتبر و في صحيحة زرارة و موثقة ابن بكير و عبيد و
جماعة من اصحابنا ما يشير الي ذلك".
و قد مر من صاحب الحدائق نظير ذلك في الاخبار الدالة علي ثبوت الزكاة في الغلا ت غير الاربع .
و محصل كلامه بتوضيح منا ان صرف الجمع التبرعي لا يكون ملاكا للفتوي بشئ. و الاستحباب ايضا مثل
الوجوب حكم شرعي يحتاج الي الدليل، و الجمع المعتبر هو الجمع الذي يساعد عليه العرف، كما هو
الحال بين العام و الخاص و المطلق و المقيد و كالامر بشئ ثم الترخيص في تركه، حيث يحمل الامر حينئذ
علي الاستحباب . و ليس المقام كذلك، بل مفاد احد الدليلين ثبوت الزكاة بنحو الوضع و مفاد الاخر نفيها من
غير اشعار فيه بثبوتها بنحو الاستحباب : فالدليلان متناقضان متباينان، فيجب الاخذ بما خالفهم [2]
.