نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 8 صفحه : 173
فقال له الحر: أما و اللَّه لو غيرك يقولها لي من العرب و هو على مثل الحال التي أنت عليها لأقتصن منه، و لما تركت أمه، و لكن لا سبيل إلى ذكر أمك إلا بأحسن ما نقدر عليه، و تقاول القوم و تراجعوا فقال له الحر: إني لم أومر بقتالك، و إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة على ابن زياد، فإذا أبيت فخذ طريقا لا يقدمك الكوفة و لا تردك إلى المدينة، و اكتب أنت إلى يزيد، و أكتب أنا إلى ابن زياد إن شئت، فلعل اللَّه أن يأتى بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك. قال:
فأخذ الحسين يساراً عن طريق العذيب و القادسية، و الحر بن يزيد يسايره و هو يقول له: يا حسين إني أذكرك اللَّه في نفسك، فانى أشهد لئن قاتلت لتقتلن، و لئن قوتلت لتهلكن فيما أرى. فقال له الحسين: أ فبالموت تخوفني؟ و لكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و قد لقيه و هو يريد نصرة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم) فقال: أين تذهب فإنك مقتول؟ فقال:-
سأمضي و ما بالموت عار على الفتى* * * إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما
و آسى الرجال الصالحين بنفسه* * * و فارق خوفا أن يعيش و يرغما
و يروى على صفة أخرى
سأمضي و ما بالموت عار على امرئ* * * إذا ما نوى حقاً و لم يلف مجرما
فان مت لم أندم و إن عشت لم ألم* * * كفى بك موتا أن تذل و ترغما
فلما سمع ذلك الحر منه تنحى عنه و جعل يسير بأصحابه ناحية عنه، فانتهوا إلى عذيب الهجانات و إذا سفر أربعة- أي أربعة نفر- قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم يخبون و يجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له الكامل [قد أقبلوا من الكوفة يقصدون الحسين و دليلهم رجل يقال له الطرماح بن عدي راكب على فرس] [1] و هو يقول
يا نافتى لا تذعري من زجري* * * و شمري قبل طلوع الفجر
بخير ركبان و خير سفر* * * حتى تحلى بكريم النجر
الماجد الحرّ رحيب الصدر* * * أتى به اللَّه لخير أمر
ثمت أبقاه بقاء الدهر
فأراد الحر أن يحول بينهم و بين الحسين فمنعه الحسين من ذلك، فلما خلصوا إليه قال لهم: أخبرونى عن الناس وراءكم، فقال له مجمع بن عبد اللَّه العامري أحد النفر الأربعة: أما أشراف الناس فهم إلب عليك، لأنهم قد عظمت رشوتهم و ملئت غرائرهم، يستميل بذلك ودهم و يستخلص به نصيحتهم، فهم إلب واحد عليك، و أما سائر الناس فأفئدتهم تهوى إليك، و سيوفهم غدا مشهورة عليك. قال