نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 12 صفحه : 92
حزم هذا بها في سلخ رمضان، سنة أربع و ثمانين و ثلاثمائة، فقرأ القرآن و اشتغل بالعلوم النافعة الشرعية، و برز فيها و فاق أهل زمانه، و صنف الكتب المشهورة، يقال إنه صنف أربعمائة مجلد في قريب من ثمانين ألف ورقة، و كان أديبا طبيبا شاعرا فصيحا، له في الطب و المنطق كتب، و كان من بيت وزارة و رياسة، و وجاهة و مال و ثروة، و كان مصاحبا للشيخ أبى عمر بن عبد البر النمري، و كان مناوئا للشيخ أبى الوليد سليمان بن خلف الباجي، و قد جرت بينهما مناظرات يطول ذكرها.
و كان ابن حزم كثير الوقيعة في العلماء بلسانه و قلمه، فأورثه ذلك حقدا في قلوب أهل زمانه، و ما زالوا به حتى بغضوه إلى ملوكهم، فطردوه عن بلاده، حتى كانت وفاته في قرية له في شعبان من هذه السنة و قد جاوز التسعين. و العجب كل العجب منه أنه كان ظاهريا حائرا في الفروع، لا يقول: بشيء من القياس لا الجلي و لا غيره، و هذا الّذي وضعه عند العلماء، و أدخل عليه خطأ كبيرا في نظره و تصرفه و كان مع هذا من أشد الناس تأويلا في باب الأصول، و آيات الصفات و أحاديث الصفات، لأنه كان أولا قد تضلع من علم المنطق، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي الكناني القرطبي، ذكره ابن ماكولا و ابن خلكان، ففسد بذلك حاله في باب الصفات.
عبد الواحد بن على بن برهان
أبو القاسم النحويّ، كان شرس الأخلاق جدا، لم يلبس سراويل قط و لا غطى رأسه و لم يقبل عطاء لأحد، و ذكر عنه أنه كان يقبّل المردان من غير ريبة. قال ابن عقيل: و كان على مذهب مرجئة المعتزلة و ينفى خلود الكفار في النار، و يقول: دوام العقاب في حق من لا يجوز عليه التشفي لا وجه له، مع ما وصف اللَّه به نفسه من الرحمة، و يتأول قوله تعالى (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي أبدا من الآباد. قال ابن الجوزي: و قد كان ابن برهان يقدح في أصحاب أحمد و يخالف اعتقاد المسلمين لأنه قد خالف الإجماع، ثم ذكر كلامه في هذا و غيره و اللَّه أعلم.
ثم دخلت سنة سبع و خمسين و أربعمائة
فيها سار جماعة من العراق إلى الحج بخفارة، فلم يمكنهم المسير فعدلوا إلى الكوفة و رجعوا.
و في ذي الحجة منها شرع في بناء المدرسة النظامية، و نقض لأجلها دور كثيرة من مشرعة الزوايا، و باب البصرة. و فيها كانت حروب كثيرة بين تميم بن العزيز و باديس، و أولاد حماد، و العرب و المغاربة بصنهاجة و زناتة. و حج بالناس من بغداد النقيب أبو الغنائم.
و فيها كان مقتل عميد الملك الكندري، و هو منصور بن محمد أبو نصر الكندري، وزير طغرلبك، و كان مسجونا سنة تامة، و لما قتل حمل فدفن عند أبيه بقرية كندرة، من عمل طريثيث، و ليست بكندرة التي هي بالقرب من قزوين. و استحوذ السلطان على أمواله و حواصله، و قد كان
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 12 صفحه : 92