نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 12 صفحه : 78
فوبخه توبيخا مفضحا، و لامه لوما شديدا، ثم ضربه ضربا مبرحا، و اعتقله مهانا عنده، و نهبت العامة دار الخلافة، فلا يحصى ما أخذوا منها من الجواهر و النفائس، و الديباج و الذهب و الفضة، و الثياب و الأثاث، و الدواب و غير ذلك، مما لا يحد و لا يوصف. ثم اتفق رأى البساسيري و قريش على أن يسيروا الخليفة إلى أمير حديثة عانة، و هو مهارش بن مجلى الندوى، و هو من بنى عم قريش بن بدران، و كان رجلا فيه دين و له مروأة. فلما بلغ ذلك الخليفة دخل على قريش أن لا يخرج من بغداد فلم يفد ذلك شيئا، و سيّره مع أصحابهما في هودج إلى حديثة عانة، فكان عند مهارش حولا كاملا، و ليس معه أحد من أهله، فحكى عن الخليفة أنه قال لما كنت بحديثة عانة قمت ليلة إلى الصلاة فوجدت في قلبي حلاوة المناجاة، ثم دعوت اللَّه عز و جل بما سنح لي، ثم قلت: اللَّهمّ أعدنى إلى وطني، و اجمع بيني و بين أهلي و ولدى، و يسر اجتماعنا، و أعد روض الانس زاهرا، و ربع القرب عامرا، و فلفل العزا و برج الجفا، قال: فسمعت قائلا على شاطئ الفرات يقول: نعم نعم، فقلت: هذا رجل يخاطب آخر، ثم أخذت في السؤال و الابتهال، فسمعت ذلك الصائح يقول: إلى الحول إلى الحول، فقلت: إنه هاتف أنطقه اللَّه بما جرى الأمر عليه، و كان كذلك، خرج من داره في ذي القعدة من هذه السنة، و رجع إليها في ذي القعدة من السنة المقبلة، و قد قال الخليفة القائم بأمر اللَّه في مدة مقامه بالحديثة شعرا يذكر فيه حاله فمنه:
ساءت ظنوني فيمن كنت آمله* * * و لم يجل ذكر من و البيت في خلدي
تعلموا من صروف الدهر كلهم* * * فما أرى أحدا يحنو على أحد
فما أرى من الأيام إلا موعدا* * * فمتى أرى ظفري بذاك الموعد
يومى يمر و كلما قضيته* * * عللت نفسي بالحديث إلى غد
أقبح بنفس تستريح إلى المنى* * * و على مطامعها تروح و تغتدي
و أما البساسيري و ما أعتمده في بغداد: فأنه ركب يوم عيد الأضحى و ألبس الخطباء و المؤذنين البياض، و كذلك أصحابه، و على رأسه الألوية المصرية، و خطب للخليفة المصري، و الروافض في غاية السرور، و الأذان بسائر العراق بحي على خير العمل، و انتقم البساسيري من أعيان أهل بغداد انتقاما عظيما، و غرق خلقا ممن كان يعاديه، و بسط على آخرين الأرزاق ممن كان يحبه و يواليه، و أظهر العدل. و لما كان يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة أحضر إلى بين يديه الوزير ابن المسلمة الملقب رئيس الرؤساء، و عليه جبة صوف، و طرطور من لبد أحمر، و في رقبته مخنقة من جلود كالتعاويذ، فأركب جملا أحمر و طيف به في البلد، و خلفه من يصفعه بقطعة جلد، و حين اجتاز بالكرخ نثروا عليه خلقان المداسات، و بصقوا في وجهه و لعنوه و سبوه، و أوقف بإزاء دار الخلافة و هو
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 12 صفحه : 78