responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 12  صفحه : 335

من بلادهم و نفيرهم ما ذكره ابن الأثير في كامله أن جماعة من الرهبان و القسيسين الذين كانوا ببيت المقدس و غيره، ركبوا من صور في أربعة مراكب، و خرجوا يطوفون ببلدان النصارى البحرية، و ما هو قاطع البحر من الناحية الأخرى، يحرضون الفرنج و يحثونهم على الانتصار لبيت المقدس، و يذكرون لهم ما جرى على أهل القدس، و أهل السواحل من القتل و السبي و خراب الديار، و قد صوروا صورة المسيح و صورة عربي آخر يضربه و يؤذيه، فإذا سألوهم من هذا الّذي يضرب المسيح؟ قالوا هذا نبي العرب يضربه و قد جرحه و مات، فينزعجون لذلك و يحمون و يبكون و يحزنون فعند ذلك خرجوا من بلادهم لنصرة دينهم و نبيهم، و موضع حجهم على الصعب و الذلول، حتى النساء المخدرات و الزواني و الزانيات الذين هم عند أهليهم من أعز الثمرات.

و في نصف ربيع الأول تسلم السلطان شعيف أربون بالأمان، و كان صاحبه مأسورا في الذل و الهوان، و كان من أدهى الفرنج و أخبرهم بأيام الناس، و ربما قرأ في كتب الحديث و تفسير القرآن، و كان مع هذا غليظ الجلد قاسي القلب، كافر النفس. و لما انفصل فصل الشتاء و أقبل الربيع جاءت ملوك الإسلام من بلدانها بخيولها و شجعانها، و رجالها و فرسانها، و أرسل الخليفة إلى الملك صلاح الدين أحمالا من النفط و الرماح، و نفاطة و نقابين، كل منهم متقن في صنعته غاية الإتقان، و مرسوما بعشرين ألف دينار، و انفتح البحر و تواترت مراكب الفرنج من كل جزيرة، لأجل نصرة أصحابهم، يمدونهم بالقوة و الميرة، و عملت الفرنج ثلاثة أبرجة من خشب و حديد، عليها جلود مسقاة بالخل، لئلا يعمل فيها النفط، يسع البرج منها خمسمائة مقاتل، و هي أعلا من أبرجة البلد، و هي مركبة على عجل بحيث يديرونها كيف شاءوا، و على ظهر كل منها منجنيق كبير، فلما رأى المسلمون ذلك أهمهم أمرها و خافوا على البلد و من فيه من المسلمين أن يؤخذوا، و حصل لهم ضيق منها، فأعمل السلطان فكره بإحراقها، و أحضر النفاطين و وعدهم بالأموال الجزيلة إن هم أحرقوها، فانتدب لذلك شاب نحاس من دمشق يعرف بعلي بن عريف النحاسين، و التزم بإحراقها، فأخذ النفط الأبيض و خلطه بأدوية يعرفها، و على ذلك في ثلاثة قدور من نحاس حتى صار نارا تأجج، و رمى كل برج منها بقدر من تلك القدور بالمنجنيق من داخل عكا، فاحترقت الأبرجة الثلاثة حتى صارت نارا باذن اللَّه، لها ألسنة في الجو متصاعدة، و احترق من كان فيها، فصرخ المسلمون صرخة واحدة بالتهليل، و احترق في كل برج منها سبعون كفورا، و كان يوما على الكافرين عسيرا، و ذلك يوم الاثنين الثاني و العشرين من ربيع الأول من هذه السنة، و كان الفرنج قد تعبوا في عملها سبعة أشهر، فاحترقت في يوم واحد (وَ قَدِمْنا إِلى‌ ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) ثم أمر السلطان لذلك الشاب النحاس بعطية سنية، و أموال كثيرة فامتنع أن يقبل شيئا من ذلك، و قال: إنما عملت ذلك ابتغاء وجه اللَّه، و رجاء

نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 12  صفحه : 335
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست