نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 12 صفحه : 324
و هي مدينة صور. فكتب الصلح بذلك، و أن من لم يبذل ما شرط عليه إلى أربعين يوما فهو أسير، فكان جملة من أسر بهذا الشرط ستة عشر ألف أسير من رجال و نساء و ولدان، و دخل السلطان و المسلمون البلد يوم الجمعة قبل وقت الصلاة بقليل، و ذلك يوم السابع و العشرين من رجب. قال العماد: و هي ليلة الاسراء برسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. قال أبو شامة:
و هو أحد الأقوال في الاسراء، و لم يتفق للمسلمين صلاة الجمعة يومئذ خلافا لمن زعم أنها أقيمت يومئذ، و أن السلطان خطب بنفسه بالسواد، و الصحيح أن الجمعة لم يتمكنوا من إقامتها يومئذ لضيق الوقت، و إنما أقيمت في الجمعة المقبلة، و كان الخطيب محيي الدين بن محمد بن على القرشي ابن الزكي كما سيأتي قريبا.
و لكن نظفوا المسجد الأقصى مما كان فيه من الصلبان و الرهبان و الخنازير، و خربت دور الداوية و كانوا قد بنوها غربي المحراب الكبير، و اتخذوا المحراب مشتا لعنهم اللَّه، فنظف من ذلك كله، و أعيد إلى ما كان عليه في الأيام الإسلامية، و غسلت الصخرة بالماء الطاهر، و أعيد غسلها بماء الورد و المسك الفاخر، و أبرزت للناظرين، و قد كانت مستورة مخبوءة عن الزائرين، و وضع الصليب عن قبتها، و عادت إلى حرمتها، و قد كان الفرنج قلعوا منها قطعا فباعوها من أهل البحور الجوانية بزنتها ذهبا، فتعذر استعادة ما قطع منها.
ثم قبض من الفرنج ما كانوا بذلوه عن أنفسهم من الأموال، و أطلق السلطان خلقا منهم بنات الملوك بمن معهن من النساء و الصبيان و الرجال، و وقعت المسامحة في كثير منهم، و شفع في أناس كثير فعفا عنهم، و فرق السلطان جميع ما قبض منهم من الذهب في العسكر، و لم يأخذ منه شيئا مما يقتنى و يدخر، و كان (رحمه اللَّه) حليما كريما مقداما شجاعا رحيما.
ذكر أول جمعة أقيمت ببيت المقدس بعد فتحه في الدولة الصلاحية
لما تطهر بيت المقدس مما كان فيه من الصلبان و النواقيس و الرهبان و القساقس، و دخله أهل الايمان، و نودي بالأذان و قرئ القرآن، و وحد الرحمن، كان أول جمعة أقيمت في اليوم الرابع من شعبان، بعد يوم الفتح بثمان، فنصب المنبر إلى جانب المحراب، و بسطت البسط و علقت القناديل و تلى التنزيل، و جاء الحق و بطلت الأباطيل، وصفت السجادات و كثرت السجدات، و تنوعت العبادات، و ارتفعت الدعوات، و نزلت البركات، و انجلت الكربات، و أقيمت الصلوات، و أذن المؤذنون، و خرس القسيسون، و زال البوس و طابت النفوس، و أقبلت السعود و أدبرت النحوس، و عبد اللَّه الأحد الصمد الّذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، و كبره الراكع و الساجد، و القائم و القاعد، و امتلأ الجامع و سالت لرقة القلوب المدامع، و لما أذن المؤذنون للصلاة قبل الزوال كادت
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 12 صفحه : 324