responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 12  صفحه : 316

و أعاده إلى مملكته حتى يتبين خبث طويته، ثم سار إلى الموصل فتلقاه الملوك من كل ناحية، و جاء إلى خدمته عماد الدين أبو بكر بن قرا أرسلان، و سار السلطان فنزل على الإسماعيليات قريبا من الموصل، و جاءه صاحب إربل نور الدين الّذي خضعت له ملوك تلك الناحية، ثم أرسل صلاح الدين ضياء الدين الشهرزوريّ إلى الخليفة يعلمه بما عزم عليه من حصار الموصل، و إنما مقصوده ردهم إلى طاعة الخليفة، و نصرة الإسلام، فحاصرها مدة ثم رحل عنها و لم يفتحها، و سار إلى خلاط و استحوذ على بلدان كثيرة، و أقاليم جمة ببلاد الجزيرة و ديار بكر، و جرت أمور استقصاها ابن الأثير في كامله، و صاحب الروضتين، ثم وقع الصلح بينه و بين المواصلة، على أن يكونوا من جنده إذا ندبهم لقتال الفرنج، و على أن يخطب له و تضرب له السكة، ففعلوا ذلك في تلك البلاد كلها، و انقطعت خطبة السلاجقة و الازيقية بتلك البلاد كلها، ثم اتفق مرض السلطان بعد ذلك مرضا شديدا، فكان يتجلد و لا يظهر شيئا من الألم حتى قوى عليه الأمر و تزايد الحال، حتى وصل إلى حران فخيم هنالك من شدة ألمه، و شاع ذلك في البلاد، و خاف الناس عليه و أرجف الكفرة و الملحدون بموته، و قصده أخوه العادل من حلب بالأطباء و الأدوية، فوجده في غاية الضعف، و أشار عليه بأن يوصى، فقال:

ما أبالى و أنا أترك من بعدي أبا بكر و عمر و عثمان و عليا- يعنى أخاه العادل و تقى الدين عمر صاحب حماه و هو إذ ذاك نائب مصر، و هو بها مقيم، و ابنيه العزيز عثمان و الأفضل عليا- ثم نذر لئن شفاه اللَّه من مرضه هذا ليصرفن همته كلها إلى قتال الفرنج، و لا يقاتل بعد ذلك مسلما، و ليجعل أكبر همه فتح بيت المقدس، و لو صرف في سبيل اللَّه جميع ما يملكه من الأموال و الذخائر، و ليقتلن البرنس صاحب الكرك بيده، لأنه نقض العهد و تنقبص الرسول (صلى اللَّه عليه و سلم)، و ذلك أنه أخذ قافلة ذاهبة من مصر إلى الشام، فأخذ أموالهم و ضرب رقابهم، و هو يقول: أين محمدكم؟ دعوه ينصركم، و كان هذا النذر كله بإشارة القاضي الفاضل، و هو أرشده إليه و حثه عليه، حتى عقده مع اللَّه عز و جل، فعند ذلك شفاه اللَّه و عافاه من ذلك المرض الّذي كان فيه، كفارة لذنوبه، و جاءت البشارات بذلك من كل ناحية، فدقت البشائر و زينت البلاد، و كتب الفاضل من دمشق و هو مقيم بها إلى المظفر عمر أن العافية الناصرية قد استقامت و استفاضت أخبارها، و طلعت بعد الظلمة أنوارها، و ظهرت بعد الاختفاء آثارها، و ولت العلة و للَّه الحمد و المنة، و طفئت نارها، و انجلى غبارها، و خمد شرارها، و ما كانت إلا فلتة وقى اللَّه شرها و شنارها، و عظمية كفى اللَّه الإسلام عارها، و توبة امتحن اللَّه بها نفوسنا، فرأى أقل ما عندها صبرنا، و ما كان اللَّه ليضيع الدعاء و قد أخلصته القلوب، و لا تتوقف الاجابة و إن سدت طريقها الذنوب، و لا ليخلف وعد فرج و قد أيس الصاحب و المصحوب:

نعى زاد فيه الدهر ميما* * * فأصبح بعد بؤساه نعيما

نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 12  صفحه : 316
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست