نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 12 صفحه : 151
له رجل: إلى مجانبنا أرملة لها أربعة أولاد و هم عراة و جياع، فبعث إليهم مع رجل من خاصته نفقة و كسوة و طعاما، و نزع عنه ثيابه في البرد الشديد، و قال: و اللَّه لا ألبسها حتى ترجع إلى بخبرهم، فذهب الرجل مسرعا بما أرسله على يديه إليهم، ثم رجع إليه فأخبره أنهم فرحوا بذلك و دعوا للوزير، فسر بذلك و لبس ثيابه. و جيء إليه مرة بقطائف سكرية فلما وضعت بين يديه تنغص عليه بمن لا يقدر عليها، فأرسلها كلها إلى المساجد، و كانت كثيرة جدا، فأطعمها الفقراء و العميان و كان لا يجلس في الديوان إلا و عنده الفقهاء، فإذا وقع له أمر مشكل سألهم عنه فحكم بما يفتونه، و كان كثير التواضع مع الناس، خاصتهم و عامتهم، ثم عزل عن الوزارة فسار إلى الحج و جاور بالمدينة ثم مرض، فلما ثقل في المرض جاء إلى الحجرة النبويّة فقال: يا رسول اللَّه قال اللَّه تعالى (وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) و ها أنا قد جئتك أستغفر اللَّه من ذنوبي و أرجو شفاعتك يوم القيامة، ثم مات من يومه ذلك (رحمه اللَّه)، و دفن في البقيع.
القاضي أبو بكر الشاشي
محمد بن المظفر بن بكران الحموي أبو بكر الشاشي، ولد سنة أربعمائة، و تفقه ببلده، ثم حج في سنة سبع عشرة و أربعمائة، و قدم بغداد فتفقه على أبى الطيب الطبري و سمع بها الحديث، و شهد عند ابن الدامغانيّ فقبله، و لازم مسجده خمسا و خمسين سنة، يقرئ الناس و يفقههم، و لما مات الدامغانيّ أشار به أبو شجاع الوزير فولاه الخليفة المقتدى القضاء، و كان من أنزه الناس و أعفّهم، لم يقبل من سلطان عطية، و لا من صاحب هدية، و لم يغير ملبسه و لا مأكله، و لم يأخذ على القضاء أجرا و لم يستنب أحدا، بل كان يباشر القضاء بنفسه، و لم يحاب مخلوقا، و قد كان يضرب بعض المنكرين حيث لا بينة، إذا قامت عنده قرائن التهمة، حتى يقرّوا، و يذكر أن في كلام الشافعيّ ما يدل على هذا. و قد صنف كتابا في ذلك، و نصره ابن عقيل فيما كان يتعاطاه من الحكم بالقرائن، و استشهد له بقوله تعالى (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) الآية. و شهد عنده رجل من كبار الفقهاء و المناظرين يقال له المشطب بن أحمد بن أسامة الفرغاني، فلم يقبله، لما رأى عليه من الحرير و خاتم الذهب، فقال له المدعى:
إن السلطان و وزيره نظام الملك يلبسان الحرير و الذهب، فقال القاضي الشاشي: و اللَّه لو شهدا عندي على باقة بقلة ما قبلتهما، و لرددت شهادتهما. و شهد عنده مرة فقيه فاضل من أهل مذهبه فلم يقبله، فقال: لأى شيء ترد شهادتي و هي جائزة عند كل حاكم إلا أنت؟ فقال له: لا أقبل لك شهادة، فانى رأيتك تغتسل في الحمام عريانا غير مستور العورة، فلا أقبلك. توفى يوم الثلاثاء عاشر شعبان من هذه السنة عن ثمان و ثمانين سنة، و دفن بالقرب من ابن شريح.
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 12 صفحه : 151