نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 12 صفحه : 111
من عداهم كانوا يتبذلون في الأسواق، و يختلطون مع العوام، و كانت القلوب تنفر من تولية مثل أولئك الخلافة على الناس، و نشأ هذا في حجر جده القائم بأمر اللَّه يربيه بما يليق بأمثاله، و يدربه على أحسن السجايا و للَّه الحمد، و قد كان المقتدى حين ولى الخلافة عمره عشرين سنة، و هو في غاية الجمال خلقا و خلقا، و كانت بيعته يوم الجمعة الثالث عشر من شعبان من هذه السنة، و جلس في دار الشجرة، بقميص أبيض، و عمامة بيضاء لطيفة، و طرحة قصب أدريه، و جاء الوزراء و الأمراء و الأشراف و وجوه الناس فبايعوه، فكان أول من بايعه الشريف أبو جعفر بن أبى موسى الحنبلي، و أنشده قول الشاعر:
إذا سيد منا مضى قام سيد
ثم ارتج عليه فلم يدر ما بعده، فقال الخليفة
قؤول بما قال الكرام فعول
و بايعه من شيوخ العلم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، و الشيخ أبو نصر بن الصباغ، الشافعيان، و الشيخ أبو محمد التميمي الحنبلي، و برز فصلى بالناس العصر ثم بعد ساعة أخرج تابوت جده بسكون و وقار من غير صراخ و لا نوح، فصلى عليه و حمل إلى المقبرة، و قد كان المقتدى شهما شجاعا أيامه كلها مباركة، و الرزق دار و الخلافة معظمة جدا، و تصاغرت الملوك له، و تضاءلوا بين يديه، و خطب له بالحرمين و بيت المقدس و الشام كلها، و استرجع المسلمون الرها و أنطاكية من أيدي العدو، و عمرت بغداد و غيرها من البلاد، و استوزر ابن جهير ثم أبا شجاع، ثم أعاد ابن جهير و قاضيه الدامغانيّ، ثم أبو بكر الشاشي، و هؤلاء من خيار القضاة و الوزراء و للَّه الحمد.
و في شعبان منها أخرج المفسدات من الخواطئ من بغداد، و أمرهن أن ينادين على أنفسهن بالعار و الفضيحة، و خرب الخمارات و دور الزواني و المغاني، و أسكنهن الجانب الغربي مع الذل و الصغار، و خرب أبرجة الحمام، و منع اللعب بها، و أمر الناس باحتراز عوراتهم في الحمامات و منع أصحاب الحمامات أن يصرفوا فضلاتها إلى دجلة، و ألزمهم بحفر آبار لتلك المياه القذرة صيانة لماء الشرب. و في شوال منها وقعت نار في أماكن متعددة في بغداد، حتى في دار الخلافة، فأحرقت شيئا كثيرا من الدور و الدكاكين، و وقع بواسط حريق في تسعة أماكن، و احترق فيها أربعة و ثمانون دارا و ستة خانات، و أشياء كثيرة غير ذلك، ف إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
و فيها عمل الرصد للسلطان ملك شاه اجتمع عليه جماعة من أعيان المنجمين و أنفق عليه أموالا كثيرة، و بقي دائرا حتى مات السلطان فبطل.
و في ذي الحجة منها أعيدت الخطب للمصريين و قطعت خطبة العباسيين، و ذلك لما قوى أمر صاحب مصر بعد ما كان ضعيفا بسبب غلاء بلده، فلما رخصت تراجع الناس إليها، و طاب العيش بها، و قد كانت الخطبة للعباسيين بمكة منذ أربعين سنة و خمسة أشهر، و ستعود كما كانت على ما سيأتي
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 12 صفحه : 111