نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 12 صفحه : 110
صفة موت الخليفة القائم بأمر اللَّه
لما افتصد في يوم الخميس الثامن و العشرين من رجب من بواسير كانت تعتاده من عام الغرق، ثم نام بعد ذلك فانفجر فصاده، فاستيقظ و قد سقطت قوته، و حصل الإياس منه، فاستدعى بحفيده و ولى عهده عدة الدين أبى القاسم عبد اللَّه بن محمد بن القائم، و أحضر إليه القضاة و الفقهاء و أشهدهم عليه ثانيا بولاية العهد له من بعده، فشهدوا، ثم كانت وفاته ليلة الخميس الثالث عشر من شعبان عن أربع و تسعين سنة، و ثمانية أشهر، و ثمانية أيام، و كانت مدة خلافته أربعا و أربعين سنة و ثمانية أشهر و خمسة و عشرين يوما، و لم يبلغ أحد من العباسيين قبله هذه المدة، و قد جاوزت خلافة أبيه قبله أربعين سنة، فكان مجموع أيامهما خمسا و ثمانين سنة و أشهرا، و ذلك مقاوم لدولة بنى أمية جميعها، و قد كان القائم بأمر اللَّه جميلا مليحا حسن الوجه، أبيض مشربا بحمرة، فصيحا ورعا زاهدا، أديبا كاتبا بليغا، شاعرا، كما تقدم ذكر شيء من شعره، و هو بحديثة عانة سنة خمسين، و كان عادلا كثير الإحسان إلى الناس (رحمه اللَّه). و غسله الشريف أبو جعفر بن أبى موسى الحنبلي عن وصية الخليفة بذلك، فلما غسله عرض عليه ما هنالك من الأثاث و الأموال، فلم يقبل منه شيئا، و صلى على الخليفة في صبيحة يوم الخميس المذكور، و دفن عند أجداده، ثم نقل إلى الرصافة، فقبره يزار إلى الآن و غلقت الأسواق لموته، و علقت المسوح، و ناحت عليه نساء الهاشميين و غيرهم، و جلس الوزير ابن جهير و ابنه للعزاء على الأرض، و خرق الناس ثيابهم، و كان يوما عصيبا، و استمر الحال كذلك ثلاثة أيام، و قد كان من خيار بنى العباس دينا و اعتقادا و دولة، و قد امتحن من بينهم بفتنة البساسيري التي اقتضت إخراجه من داره و مفارقته أهله و أولاده و وطنه، فأقام بحديثة عانة سنة كاملة ثم أعاد اللَّه تعالى عليه نعمته و خلافته. قال الشاعر:
فأصبحوا قد أعاد اللَّه نعمتهم* * * إذ هم قريش و إذ ما مثلهم بشر
و قد تقدم له في ذلك سلف صالح كما قال تعالى (وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) و قد ذكرنا ملخص ما ذكره المفسرون في سورة ص، و بسطنا الكلام عليه في هذه القصة العباسية و الفتنة البساسيرية في سنة خمسين، و إحدى و خمسين، و أربعمائة.
خلافة المقتدى بأمر اللَّه
و هو أبو القاسم عدة الدين عبد اللَّه بن الأمير ذخيرة الدين أبى القاسم محمد بن الخليفة القائم بأمر اللَّه بن القادر العباسي، و أمه أرمنية تسمى أرجوان، و تدعى قرة العين، و قد أدركت خلافة ولدها هذا، و خلافة ولديه من بعده، المستظهر و المسترشد. و قد كان أبوه توفى و هو حمل، فحين ولد ذكرا فرح به جده و المسلمون فرحا شديدا، إذ حفظ اللَّه على المسلمين بقاء الخلافة في البيت القادري، لأن
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 12 صفحه : 110