نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 99
و ذكر عن بعض مشايخ بغداد أنه قال: اتساع بغداد مائة و ثلاثون جريبا، و ذلك بقدر ميلين في ميلين، قال الامام أحمد: بغداد من الصراة إلى باب التبن. و ذكر الخطيب أن بين كل بابين من أبوابها الثمانية ميلا، و قيل أقل من ذلك. و ذكر الخطيب صفة قصر الامارة و أن فيه القبة الخضراء طولها ثمانون ذراعا، على رأسها تمثال فرس عليه فارس في يده رمح يدور به فأى جهة استقبلها و استمر مستقبلها، علم السلطان أن في تلك الجهة قد وقع حدث فلم يلبث أن يأتى الخليفة خبره.
[و هذه القبة و هي على مجلس في صدر إيوان المحكمة و طوله ثلاثون ذراعا و عرضه عشرون ذراعا.
و قد سقطت هذه القبة في ليلة برد و مطر و رعد و برق، ليلة الثلاثاء لسبع خلون من شهر جمادى الآخرة سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة]. [1]
و ذكر الخطيب البغدادي أنه كان يباع في بغداد في أيام المنصور الكبش الغنم بدرهم و الحمل بأربعة دوانق، و ينادى على لحم الغنم كل ستين طلا بدرهم، و لحم البقر كل تسعين رطلا بدرهم، و التمر كل ستين رطلا بدرهم، و الزيت ستة عشر رطلا بدرهم، و السمن ثمانية أرطال بدرهم، و العسل عشرة أرطال بدرهم. و لهذا الأمن و الرخص كثر ساكنوها و عظم أهلوها و كثر الدارج في أسواقها و أزقتها، حتى كان المار لا يستطيع أن يجتاز في أسواقها لكثرة زحام أهلها. قال بعض الأمراء و قد رجع من السوق: طال و اللَّه ما طردت خلف الأرانب في هذا المكان.
و ذكر الخطيب أن المنصور جلس يوما في قصره فسمع ضجة عظيمة ثم أخرى ثم أخرى فقال للربيع الحاجب: ما هذا؟ فكشف فإذا بقرة قد نفرت من جازرها هاربة في الأسواق، فقال الرومي:
يا أمير المؤمنين إنك بنيت بناء لم يبنه أحد قبلك، و فيه ثلاثة عيوب، بعده من الماء، و قرب الأسواق منه، و ليس عنده خضرة، و العين خضرة تحب الخضرة. فلم يرفع بها المنصور رأسا ثم أمر بتغيير ذلك، ثم بعد ذلك ساق إليها الماء و بنى عنده البساتين، و حول الأسواق من ثم إلى الكرخ.
قال يعقوب بن سفيان: كمل بناء بغداد في سنة ست و أربعين و مائة، و في سنة سبع و خمسين حول الأسواق إلى باب الكرخ و باب الشعير و باب المحول و أمر بتوسعة الأسواق أربعين ألفا، و بعد شهرين من ذلك شرع في بناء قصره المسمى بالخلد، فكمل سنة ثمان و خمسين و مائة.
و جعل أمر ذلك إلى رجل يقال له الوضاح، و بنى للعامة جامعا للصلاة و الجمعة لئلا يدخلوا إلى جامع المنصور، فأما دار الخلافة التي كانت ببغداد بعد ذلك فإنها كانت للحسن بن سهل، فانتقلت من بعده إلى بوران زوجة المأمون، فطلبها منها المعتضد- و قيل المعتمد- فأنعمت له بها، ثم استنظرته أياما حتى تنتقل منها فأنظرها، فشرعت في تلك الأيام في ترميمها و تبييضها و تحسينها، ثم فرشتها