responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 10  صفحه : 71

و قطعوه قطعا قطعا، ثم ألقى في دجلة. و يروى أن المنصور لما قتله وقف عليه فقال: رحمك اللَّه أبا مسلم، بايعتنا فبايعناك، و عاهدتنا و عاهدناك، و وفيت لنا فوفينا لك، و إنا بايعناك على أن لا يخرج علينا أحد في هذه الأيام إلا قتلناه، فخرجت علينا فقتلناك، و حكمنا عليك حكمك على نفسك لنا. و يقال إن المنصور قال: الحمد للَّه الّذي أرانا يومك يا عدو اللَّه. قال ابن جرير و قال المنصور عند ذلك:-

زعمت أن الدّين لا يقتضي‌* * * فاستوف بالكيل أبا مجرم‌

سقيت كأسا كنت تسقى بها* * * أمرّ في الحلق من العلقم‌

ثم إن المنصور خطب في الناس بعد قتل أبى مسلم فقال: أيها الناس، لا تنفّروا أطيار النعم بترك الشكر، فتحل بكم النقم، و لا تسروا غش الأئمة فان أحدا لا يسر منكم شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه، و صفحات وجهه، و طوالع نظره و إنا لن نجهل حقوقكم ما عرفتم حقنا، و لا ننسى الإحسان إليكم ما ذكرتم فضلنا، و من نازعنا هذا القميص أوطأنا أم رأسه، حتى يستقيم رجالكم، و ترتدع عمالكم. و إن هذا الغمر أبا مسلم بايع على أنه من نكث بيعتنا و أظهر غشنا فقد أباحنا دمه، فنكث و غدر و فجر و كفر، فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيره لنا، و إن أبا مسلم أحسن مبتديا و أساء منتهيا، و أخذ من الناس بنا لنفسه أكثر مما أعطانا. و رجح قبيح باطنه على حسن ظاهره، و علمنا من خبث سريرته و فساد نيته ما لو علم اللائم لنا فيه لما لام، و لو اطلع على ما أطلعنا عليه منه لعذرنا في قتله، و عنفنا في إمهاله، و ما زال ينقض بيعته و يخفر ذمته حتى أحل لنا عقوبته و أباحنا دمه، فحكمنا فيه حكمه في غيره ممن شق العصا، و لم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه، و ما أحسن ما قال النابغة الذبيانيّ للنعمان- يعنى ابن المنذر-:

فمن أطاعك فانفعه بطاعته‌* * * كما أطاعك و اللَّه على الرشد

و من عصاك فعاقبه معاقبة* * * تنهى الظلوم و لا تقعد على ضمد

و قد روى البيهقي عن الحاكم بسنده أن عبد اللَّه بن المبارك سئل عن أبى مسلم أ هو خير أم الحجاج؟ فقال: لا أقول إن أبا مسلم كان خيرا من أحد، و لكن كان الحجاج شرا منه، قد اتهمه بعضهم على الإسلام، و رموه بالزندقة، و لم أر فيما ذكروه عن أبى مسلم ما يدل على ذلك، بل على أنه كان ممن يخاف اللَّه من ذنوبه، و قد ادعى التوبة فيما كان منه من سفك الدماء في إقامة الدولة العباسية و اللَّه أعلم بأمره.

و قد روى الخطيب عنه أنه قال: ارتديت الصبر، و آثرت الكفاف، و حالفت الأحزان و الأشجان، و شامخت المقادير و الأحكام، حتى بلغت غاية همتي، و أدركت نهاية بغيتي. ثم أنشأ يقول:

نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 10  صفحه : 71
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست