نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 339
من قبوله، فألح عليه الأمير فلم يقبل. فأخذها الأمير ففرقها على بنيه و أهله، و قال: إنه لا يمكن ردها على الخليفة. و كتب الخليفة لأهله و أولاده في كل شهر بأربعة آلاف درهم، فمانع أبو عبد اللَّه الخليفة، فقال الخليفة: لا بد من ذلك، و ما هذا إلا لولدك. فأمسك أبو عبد اللَّه عن مما نعته ثم أخذ يلوم أهله و عمه، و قال لهم: إنما بقي لنا أيام قلائل، و كأننا قد نزل بنا الموت، فاما إلى جنة و إما إلى نار، فنخرج من الدنيا و بطوننا قد أخذت من مال هؤلاء. في كلام طويل يعظهم به.
فاحتجوا عليه
بالحديث الصحيح «ما جاءك من هذا المال و أنت غير سائل و لا مستشرف فخذه».
و أن ابن عمر و ابن عباس قبلا جوائز السلطان. فقال: و ما هذا و ذاك سواء، و لو أعلم أن هذا المال أخذ من حقه و ليس بظلم و لا جور لم أبال.
و لما استمر ضعفه جعل المتوكل يبعث إليه بابن ماسويه المتطبب لينظر في مرضه، فرجع إليه فقال: يا أمير المؤمنين إن أحمد ليس به علة في بدنه، و إنما علته من قلة الطعام و كثرة الصيام و العبادة. فسكت المتوكل ثم سألت أم الخليفة منه أن ترى الامام أحمد، فبعث المتوكل إليه يسأله أن يجتمع بابنه المعتز و يدعو له، و لكن في حجره. فتمنع من ذلك ثم أجاب إليه رجاء أن يعجل برجوعه إلى أهله ببغداد. و بعث الخليفة إليه بخلعة سنية و مركوب من مراكبه، فامتنع من ركوبه لأنه عليه ميثرة نمور، فجيء ببغل لبعض التجار فركبه و جاء إلى مجلس المعتز، و قد جلس الخليفة و أمه في ناحية في ذلك المجلس، من وراء ستر رقيق. فلما جاء أحمد قال: سلام عليكم. و جلس و لم يسلم عليه بالإمرة، فقالت أم الخليفة: اللَّه اللَّه يا بنى في هذا الرجل ترده إلى أهله، فان هذا ليس ممن يريد ما أنتم فيه. و حين رأى المتوكل أحمد قال لأمه: يا أمه قد تأنست الدار. و جاء الخادم و معه خلعة سنية مبطنة و ثوب و قلنسوة و طيلسان، فألبسها أحمد بيده، و أحمد لا يتحرك بالكلية.
قال الامام أحمد: و لما جلست إلى المعتز قال مؤدبه: أصلح اللَّه الأمير هذا الّذي أمر الخليفة أن يكون مؤدبك. فقال: إن علمني شيئا تعلمته، قال أحمد: فتعجبت من ذكائه في صغره لأنه كان صغيرا جدا فخرج أحمد عنهم و هو يستغفر اللَّه و يستعيذ باللَّه من مقته و غضبه.
ثم بعد أيام أذن له الخليفة بالانصراف و هيأ له حراقة فلم يقبل أن ينحدر فيها، بل ركب في زورق فدخل بغداد مختفيا، و أمر أن تباع تلك الخلعة و أن يتصدق بثمنها على الفقراء و المساكين.
و جعل أياما يتألم من اجتماعه بهم و يقول: سلمت منهم طول عمري ثم ابتليت بهم في آخره. و كان قد جاع عندهم جوعا عظيما كثيرا حتى كاد أن يقتله الجوع. و قد قال بعض الأمراء للمتوكل: إن أحمد لا يأكل لك طعاما، و لا يشرب لك شرابا، و لا يجلس على فرشك، و يحرم ما تشربه. فقال: و اللَّه لو نشر المعتصم و كلمني في أحمد ما قبلت منه. و جعلت رسل الخليفة تفد إليه في كل يوم تستعلم أخباره
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 339