نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 335
شديدا جدا. و قد كان الامام أحمد رجلا طوالا رقيقا أسمر اللون كثير التواضع (رحمه اللَّه).
و لما حمل من دار الخلافة إلى دار إسحاق بن إبراهيم و هو صائم، أتوه بسويق ليفطر من الضعف فامتنع من ذلك و أتم صومه، و حين حضرت صلاة الظهر صلى معهم فقال له ابن سماعة القاضي:
و صليت في دمك! فقال له أحمد: قد صلى عمر و جرحه يثعب دما، فسكت. و يروى أنه لما أقيم ليضرب انقطعت تكة سراويله فخشي أن يسقط سراويله فتكشف عورته فحرك شفتيه فدعا اللَّه فعاد سراويله كما كان، و يرويه أنه قال: يا غياث المستغيثين، يا إله العالمين، إن كنت تعلم أنى قائم لك بحق فلا تهتك لي عورة.
و لما رجع إلى منزله جاءه الجرائحي فقطع لحما ميتا من جسده و جعل يداويه و النائب في كل وقت يسأل عنه، و ذلك أن المعتصم ندم على ما كان منه إلى أحمد ندما كثيرا، و جعل يسأل النائب عنه و النائب يستعلم خبره، فلما عوفي فرح المعتصم و المسلمون بذلك، و لما شفاه اللَّه بالعافية بقي مدة و إبهاماه يؤذيهما البرد، و جعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة، و كان يتلو في ذلك قوله تعالى وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا الآية. و يقول: ما ذا ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك؟ و قد قال تعالى فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ و ينادى المنادي يوم القيامة: «ليقم من أجره على اللَّه فلا يقوم إلا من عفا»
و في صحيح مسلم عن أبى هريرة قال قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم): «ثلاث أقسم عليهنّ: ما نقص مال من صدقة، و ما زاد اللَّه عبدا بعفو إلا عزا، و من تواضع للَّه رفعه اللَّه»
و كان الذين ثبتوا على الفتنة فلم يجيبوا بالكلية أربعة [1]: أحمد بن حنبل و هو رئيسهم، و محمد بن نوح بن ميمون الجنديسابوري، و مات في الطريق. و نعيم بن حماد الخزاعي، و قد مات في السجن، و أبو يعقوب البويطي و قد مات في سجن الواثق على القول بخلق القرآن. و كان مثقلا بالحديد.
و أحمد بن نصر الخزاعي و قد ذكرنا كيفية مقتله.
ذكر ثناء الأئمة على الامام أحمد بن حنبل المعظم المبجل
قال البخاري: لما ضرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول:
لو كان أحمد في بنى إسرائيل لكان أحدوثة. و قال إسماعيل بن الخليل: لو كان أحمد في بنى إسرائيل لكان نبيا. و قال المزني: أحمد بن حنبل يوم المحنة، و أبو بكر يوم الردة، و عمر يوم السقيفة، و عثمان يوم الدار، و على يوم الجمل و صفين. و قال حرملة: سمعت الشافعيّ يقول: خرجت من العراق فما تركت رجلا أفضل و لا أعلم و لا أورع و لا أتقى من أحمد بن حنبل. و قال شيخ أحمد يحيى بن سعيد القطان: ما قدم على بغداد أحد أحب إلى من أحمد بن حنبل. و قال قتيبة: مات سفيان الثوري و مات الورع، و مات الشافعيّ و ماتت السنن، و يموت أحمد بن حنبل و تظهر البدع. و قال إن أحمد