نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 334
الرؤية في الدار الآخرة فحاولوا أن يضعفوا إسناده و يلفقوا عن بعض المحدثين كلاما يتسلقون به إلى الطعن فيه، و هيهات، و أنى لهم التناوش من مكان بعيد؟ و في غبون ذلك كله يتلطف به الخليفة و يقول: يا أحمد أجبنى إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي و ممن يطأ بساطي. فأقول: يا أمير المؤمنين يأتونى بآية من كتاب اللَّه أو سنة عن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم) حتى أجيبهم إليها.
و احتج أحمد عليهم حين أنكروا الآثار بقوله تعالى يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً و بقوله وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً و بقوله إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي و بقوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ و نحو ذلك من الآيات. فلما لم يقم لهم معه حجة عدلوا إلى استعمال جاه الخليفة، فقالوا: يا أمير المؤمنين هذا كافر ضال مضل. و قال له إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد: يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلى سبيله و يغلب خليفتين، فعند ذلك حمى و اشتد غضبه، و كان ألينهم عريكة، و هو يظن أنهم على شيء. قال أحمد فعند ذلك قال لي: لعنك اللَّه، طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني، ثم قال: خذوه و اخلعوه و اسحبوه.
قال أحمد: فأخذت و سحبت و خلعت و جيء بالعقابين و السياط و أنا انظر، و كان معى شعرات من شعر النبي (صلى اللَّه عليه و سلم) مصرورة في ثوبي، فجردونى منه و صرت بين العقابين، فقلت: يا أمير المؤمنين اللَّه اللَّه،
إن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم) قال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه إلا بإحدى ثلاث» و تلوت الحديث،
و أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم) قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم و أموالهم»:
فبم تستحل دمي و لم آت شيئا من هذا؟ يا أمير المؤمنين اذكر وقوفك بين اللَّه كوقوفى بين يديك، فكأنه أمسك. ثم لم يزالوا يقولون له: يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر، فأمر بى فقمت بين العقابين و جيء بكرسي فأقمت عليه و أمرنى بعضهم أن آخذ بيدي بأي الخشبتين فلم أفهم، فتخلعت يداي و جيء بالضرابين و معهم السياط فجعل أحدهم يضربني سوطين و يقول له- يعنى المعتصم-: شد قطع اللَّه يديك، و يجيء الآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك، فضربوني أسواطا فأغمى على و ذهب عقلي مرارا، فإذا سكن الضرب يعود على عقلي، و قام المعتصم إلى يدعوني إلى قولهم فلم أجبه، و جعلوا يقولون: ويحك! الخليفة على رأسك، فلم أقبل و أعادوا الضرب ثم عاد إليّ فلم أجبه، فأعادوا الضرب ثم جاء إليّ الثالثة، فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب، ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب و أرعبه ذلك من أمرى و أمر بى فأطلقت و لم أشعر إلا و أنا في حجرة من بيت، و قد أطلقت الأقياد من رجلي، و كان ذلك في اليوم الخامس و العشرين من رمضان من سنة إحدى و عشرين و مائتين، ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله، و كان جملة ما ضرب نيفا و ثلاثين سوطا، و قيل ثمانين سوطا، لكن كان ضربا مبرحا
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 334