responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 10  صفحه : 330

مطرقى الرءوس، كأنما على رءوسهم الطير، حتى إذا كان قريبا من نصف الليل سأله رجل مسألة فشرع الحارث يتكلم عليها و على ما يتعلق بها من الزهد و الورع و الوعظ، فجعل هذا يبكى و هذا يئن و هذا يزعق، قال: فصعدت إلى الإمام أحمد إلى الغرفة فإذا هو يبكى حتى كاد يغشى عليه، ثم لم يزالوا كذلك حتى الصباح، فلما أرادوا الانصراف قلت: كيف رأيت هؤلاء يا أبا عبد اللَّه؟ فقال:

ما رأيت أحدا يتكلم في الزهد مثل هذا الرجل، و ما رأيت مثل هؤلاء، و مع هذا فلا أرى لك أن تجتمع بهم. قال البيهقي: يحتمل أنه كرّه له صحبتهم لأن الحارث بن أسد، و إن كان زاهدا، فإنه كان عنده شي‌ء من علم الكلام، و كان أحمد يكره ذلك، أو كره له صحبتهم من أجل أنه لا يطيق سلوك طريقتهم و ما هم عليه من الزهد و الورع. قلت: بل إنما كره ذلك لأن في كلامهم من التقشف و شدة السلوك التي لم يرد بها الشرع و التدقيق و المحاسبة الدقيقة البليغة ما لم يأت بها أمر، و لهذا لما وقف أبو زرعة الرازيّ على كتاب الحارث المسمى بالرعاية قال: هذا بدعة. ثم قال للرجل الّذي جاء بالكتاب:

عليك بما كان عليه مالك و الثوري و الأوزاعي و الليث، و دع عنك هذا فإنه بدعة. و قال إبراهيم الحربي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إن أحببت أن يدوم اللَّه لك على ما تحب فدم له على ما يحب.

و قال: الصبر على الفقر مرتبة لا ينالها إلا الأكابر. و قال: الفقر أشرف من الغنى، فان الصبر عليه مرارة و انزعاجه أعظم حالا من الشكر. و قال: لا أعدل بفضل الفقر شيئا. و كان يقول: على العبد أن يقبل الرزق بعد اليأس، و لا يقبله إذا تقدمه طمع أو استشراف. و كان يحب التقلل من الدنيا لأجل خفة الحساب. و قال إبراهيم قال رجل لأحمد: هذا العلم تعلمته للَّه؟ فقال له أحمد: هذا شرط شديد و لكن حبب إلى شي‌ء فجمعته. و في رواية أنه قال: أما للَّه فعزيز، و لكن حبب إلى شي‌ء فجمعته.

و روى البيهقي أن رجلا جاء إلى الإمام أحمد فقال: إن أمى زمنة مقعدة منذ عشرين سنة، و قد بعثتني إليك لتدعو لها، فكأنه غضب من ذلك و قال: نحن أحوج أن تدعو هي لنا من أن ندعو لها. ثم دعا اللَّه عز و جل لها. فرجع الرجل إلى أمه فدق الباب فخرجت إليه على رجليها و قالت: قد وهبنى اللَّه العافية. و روى أن سائلا سأل فأعطاه الامام أحمد قطعة فقام رجل إلى السائل فقال:

هبنى هذه القطعة حتى أعطيك عوضها، ما تساوى درهما. فأبى فرقاه إلى خمسين درهما و هو يأبى و قال: إني أرجو من بركتها ما ترجوه أنت من بركتها. ثم قال البيهقي (رحمه اللَّه):

باب ذكر ما جاء في محنة أبى عبد اللَّه أحمد بن حنبل‌

في أيام المأمون ثم المعتصم ثم الواثق بسبب القرآن العظيم و ما أصابه من الحبس الطويل و الضرب الشديد و التهديد بالقتل بسوء العذاب و أليم العقاب، و قلة مبالاته بما كان منهم في ذلك إليه و صبره عليه و تمسكه بما كان عليه من الدين القويم و الصراط المستقيم، و كان أحمد عالما بما ورد بمثل حاله من‌

نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 10  صفحه : 330
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست