نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 316
فحبسه في يوم السبت لثلاث خلون من ربيع الآخر، و أمر بمصادرته فحمل مائة ألف و عشرين ألف دينار، و من الجواهر النفيسة ما يقوّم بعشرين ألف دينار، ثم صولح على ستة عشر ألف ألف درهم. و كان ابن أبى دؤاد قد أصابه الفالج كما ذكرنا، ثم نفى أهله من سامرا إلى بغداد مهانين قال ابن جرير فقال في ذلك أبو العتاهية:
لو كنت في الرأى منسوبا إلى رشد* * * و كان عزمك عزما فيه توفيق
لكان في الفقه شغل لو قنعت به* * * عن أن تقول كتاب اللَّه مخلوق
ما ذا عليك و أصل الدين يجمعهم* * * ما كان في الفرع لو لا الجهل و الموق
و في عيد الفطر منها أمر المتوكل بإنزال جثة أحمد بن نصر الخزاعي و الجمع بين رأسه و جسده و أن يسلم إلى أوليائه، ففرح الناس بذلك فرحا شديدا، و اجتمع في جنازته خلق كثير جدا، و جعلوا يتمسحون بها و بأعواد نعشه، و كان يوما مشهودا. ثم أتوا إلى الجذع الّذي صلب عليه فجعلوا يتمسحون به، و أرهج العامة بذلك فرحا و سرورا، فكتب المتوكل إلى نائبة يأمره بردعهم عن تعاطى مثل هذا و عن المغالاة في البشر، ثم كتب المتوكل إلى الآفاق بالمنع من الكلام في مسألة الكلام و الكف عن القول بخلق القرآن، و أن من تعلم علم الكلام لو تكلم فيه فالمطبق مأواه إلى أن يموت. و أمر الناس أن لا يشتغل أحد إلا بالكتاب و السنة لا غير، ثم أظهر إكرام الامام أحمد بن حنبل و استدعاه من بغداد إليه، فاجتمع به فأكرمه و أمر له بجائزة سنية فلم يقبلها، و خلع عليه خلعة سنية من ملابسه فاستحيا منه أحمد كثيرا فلبسها إلى الموضع الّذي كان نازلا فيه ثم نزعها نزعا عنيفا و هو يبكى (رحمه اللَّه تعالى). و جعل المتوكل في كل يوم يرسل إليه من طعامه الخاص و يظن أنه يأكل منه، و كان أحمد لا يأكل لهم طعاما بل كان صائما مواصلا طاويا تلك الأيام، لأنه لم يتيسر له شيء يرضى أكله، و لكن كان ابنه صالح و عبد اللَّه يقبلان تلك الجوائز و هو لا يشعر بشيء من ذلك، و لو لا أنهم أسرعوا الأوبة إلى بغداد لخشى على أحمد أن يموت جوعا، و ارتفعت السنة جدا في أيام المتوكل عفا اللَّه عنه، و كان لا يولى أحدا إلا بعد مشورة الامام أحمد، و كان ولاية يحيى بن أكثم قضاء القضاة موضع ابن أبى دؤاد عن مشورته، و قد كان يحيى بن أكثم هذا من أئمة السنة، و علماء الناس، و من المعظمين للفقه و الحديث و اتباع الأثر، و كان قد ولى من جهته حبان بن بشر قضاء الشرقية، و سوار ابن عبد اللَّه قضاء الجانب الغربي، و كان كلاهما أعورا. فقال في ذلك بعض أصحاب ابن أبى دؤاد:
رأيت من العجائب قاضيين* * * هما أحدوثة في الخافقين
هما اقتسما العمى نصفين قدّا* * * كما اقتسما قضاء الجانبين
و يحسب منهما من هز رأسا* * * لينظر في مواريث و دين
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 316