نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 276
أن المأمون جلس يوما للناس و في مجلسه الأمراء و العلماء، فجاءت امرأة تتظلم إليه فذكرت أن أخاها توفى و ترك ستمائة دينار، فلم يحصل لها سوى دينار واحد. فقال لها المأمون على البديهة: قد وصل إليك حقك، كان أخاك قد ترك بنتين و أما و زوجة و اثنى عشر أخا و أختا واحدة و هي أنت، قالت: نعم يا أمير المؤمنين. فقال: للبنتين الثلثان أربعمائة دينار، و للأم السدس مائة دينار، و للزوجة الثمن خمسة و سبعون دينارا، بقي خمسة و عشرون دينارا لكل أخ ديناران ديناران، و لك دينار واحد.
فعجب العلماء من فطنته و حدة ذهنه و سرعة جوابه. و قد رويت هذه الحكاية عن على بن أبى طالب.
و دخل بعض الشعراء على المأمون و قد قال فيه بيتا من الشعر يراه عظيما، فلما أنشده إياه لم يقع منه موقعا طائلا، فخرج من عنده محروما، فلقيه شاعرا آخر فقال له: ألا أعجبك! أنشدت المأمون هذا البيت فلم يرفع به رأسا. فقال: و ما هو؟ قال قلت فيه:
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا* * * بالدين و الناس بالدنيا مشاغيل
فقال له الشاعر الآخر: ما زدت على أن جعلته عجوزا في محرابها. فهلا قلت كما قال جرير في عبد العزيز بن مروان:
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه* * * و لا عرض الدنيا عن الدين شاغله
و قال المأمون يوما لبعض جلسائه: بيتان اثنان لاثنين ما يلحق بهما أحد، قول أبى نواس:
إذا اختبر الدنيا لبيب تكشفت* * * له عن عدو في لباس صديق
و قول شريح:
تهون على الدنيا الملامة إنه* * * حريص على استصلاحها من يلومها
قال المأمون: و قد ألجأنى الزحام يوما و أنا في الموكب حتى خالطت السوقة فرأيت رجلا في دكان عليه أثواب خلقة، فنظر إلى نظر من يرحمني أو من يتعجب من أمرى فقال:
أرى كل مغرور تمنيه نفسه* * * إذا ما مضى عام سلامة قابل
و قال يحيى بن أكثم: سمعت المأمون يوم عيد خطب الناس فحمد اللَّه و أثنى عليه و صلى على الرسول (صلى اللَّه عليه و سلم) ثم قال: عباد اللَّه! عظم أمر الدارين و ارتفع جزاء العالمين، و طالت مدة الفريقين، فو اللَّه إنه للجد لا اللعب، و إنه للحق لا الكذب، و ما هو إلا الموت و البعث و الحساب و الفصل و الميزان و الصراط ثم العقاب أو الثواب، فمن نجا يومئذ فقد فاز. و من هوى يومئذ فقد خاب، الخير كله في الجنة، و الشر كله في النار. و روى ابن عساكر من طريق النضر بن شميل قال: دخلت على المأمون فقال: كيف أصبحت يا نضر؟ فقلت: بخير يا أمير المؤمنين. فقال: ما الارجاء؟ فقلت دين يوافق الملوك يصيبون به من دنياهم و ينقصون به من دينهم. قال: صدقت. ثم قال: يا نضر أ تدري ما قلت في صبيحة هذا اليوم؟ قلت: إني لمن علم الغيب لبعيد. فقال قلت أبياتا و هي:
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 276