و تذكرني عفو الكريم عن الورى* * * فأحيا و أرجو عفوه فأنيب
و أخضع في قولي و أرغب سائلا* * * عسى كاشف البلوى على يتوب
قال ابن طراز الجريريّ: و قد رويت هذه الأبيات لمن؟ قيل لأبى نواس و هي في زهدياته.
و قد استشهد بها النحاة في أماكن كثيرة قد ذكرناها. و قال حسن بن الداية: دخلت على أبى نواس و هو في مرض الموت فقلت: عظني. فأنشأ يقول:
فكثر ما استطعت من الخطايا* * * فإنك لاقيا ربا غفورا
ستبصر إن وردت عليه عفوا* * * و تلقى سيدا ملكا قديرا
تعض ندامة كفيك مما* * * تركت مخافة النار الشرورا
فقلت: ويحك! بمثل هذا الحال تعظنى بهذه الموعظة؟ فقال: اسكت
حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال قال النبي (صلى اللَّه عليه و سلم): «ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتى».
و قد تقدم بهذا الاسناد عنه «لا يموتن أحدكم إلا و هو يحسن الظن باللَّه».
و قال الربيع و غيره عن الشافعيّ قال:
دخلنا على أبى نواس في اليوم الّذي مات فيه و هو يجود بنفسه فقلنا: ما أعددت لهذا اليوم؟ فأنشأ يقول:
تعاظمنى ذنبي فلما قرنته* * * بعفوك ربى كان عفوك أعظما
و ما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل* * * تجود و تعفو منّة و تكرما
و لولاك لم يقدر لا بليس عابد* * * و كيف و قد أغوى صفيك آدما
رواه ابن عساكر. و روى أنهم وجدوا عند رأسه رقعة مكتوبا فيها بخطه:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة* * * فلقد علمت بأن عفوك أعظم
أدعوك ربى كما أمرت تضرعا* * * فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
ان كان لا يرجوك إلا محسن* * * فمن الّذي يرجو المسيء المجرم
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا* * * و جميل عفوك ثم أنى مسلم
و قال يوسف بن الداية: دخلت عليه و هو في السياق فقلت: كيف تجدك؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال:
دبّ فىّ الفناء سفلا و علوا* * * و أرانى أموت عضوا فعضوا
ليس يمضى من لحظة بى إلا* * * نقصتنى بمرها فىّ جزوا
ذهبت جدتى بلذة عيشي* * * و تذكرت طاعة اللَّه نضوا
قد أسأنا كل الإساءة فاللَّهم* * * صفحا عنا و غفرا و عفوا
ثم مات من ساعته سامحنا اللَّه و إياه آمين.
و قد كان نقش خاتمه لا إله إلا اللَّه مخلصا، فأوصى أن يجعل في فمه إذا غسلوه ففعلوا به ذلك. و لما